الأربعاء، 27 مايو 2009

النازية والصهيونية

كانت الفكرة الرئيسة المشتركة بين الحركة الصهيونية وتعاليم العنصريين هي أن العالم يشتمل على أمم مختلفة في حالة نزاع دائم, وأن الأمم الراقية يجب أن تسيطر على مصائر الأمم الأخرى وتهيمن على ثرواتها وبلدانها. وقد التقت الصهيونية, جوهرها <<عقيدة الشعب المختار>>, بالنازية , وجوهرها <<عقيدة الشعب الألماني الآري المتفوق>>, كما التقت الصهيونية, فيما بعد, بنزعتها الأصلية في الاستعمار والتوسع والهيمنة, بالإمبريالية, بنزعتها الأصلية في السيطرة وتسخير الشعوب لأغراضها (ر: العنصرية والصهيونية).والتقت النازية والصهيونية في مجال التنفيذ العملي انطلاقا من السياسة الأولى القائمة على ضرورة التخلص قدر المستطاع من الفئات غير الآرية في ألمانيا, وهدف الثانية في استعمار فلسطين وسوق أكبر عدد من اليهود إليها.رأت الحركة الصهيونية في اليهود الألمان مجالا رحبا لنشاطاتها فنقلت مركز عملها بعد موت هرتزل من فيينا إلى كولن فبرلين. ويعود نشوء أول حركة يهودية في ألمانيا تدعو إلى الاستيطان في فلسطين إلى عام 1864. وقد تم الإعلان عن تأسيس المنظمة الصهيونية في ألمانيا كجزء من الحركة الصهيونية العالمية في 31/10/1897 في فرانكفورت بزعامة ماكس بودنهايمر, ثم أسس هنريخ لو المنظمة الصهيونية في برلين. وفيها صدرت عام 1902 نشرة بعنوان <<الأنباء اليهودية>> استمرت حتى عام 1938. ولكن عدد أعضاء المنظمة الصهيونية الألمانية لم يرتفع حتى عام 1912 إلى أكثر من 8,400 عضو معظمهم من أبناء الطبقة الوسطى. وطالب المؤتمر الثالث عشر للمنظمة الصهيونية في ألمانيا بالهجرة إلى فلسطين والامتناع <<عن الدعوة لنيل الحقوق المدنية في ألمانيا, على أساس أن الإقامة في ألمانيا مؤقتة>>في أثناء الحرب العالمية الأولى أصبح للحركة الصهيونية مكتب في برلين بالإضافة إلى مكتبها الرئيس في كوبنهاغن المحايدة ومكتبها الآخر في بريطانيا. وتلقي قنصل ألمانيا في فلسطين عام 1915 تعليمات تنص على <<ضرورة تأمين الحماية التامة للمصالح اليهودية في فلسطين>>. وقبل نهاية الحرب أحدثت الحكومة الألمانية دائرة خاصة للشؤون اليهودية في وزارة الخارجية الألمانية وتطوع بعض اليهود من أوربا في وزارة الخارجية الألمانية وتطوع بعض اليهود من أوربا الشرقية في الجيش الألماني.ومن برلين قاد فلاديمير جابوتنسكي في عام 1923 ما أطلق عليه اسم <<الحركة التصحيحية>> (ر: المنظمة الصهيونية الجديدة) وتم تأسيس كثير من النوادي والجمعيات ودور النشر. ورغم ذلك فقد <<بقيت الدعاية الصهيونية محصورة في إطار المهاجرين من روسيا القيصرية.. كما بقيت الحركة الصهيونية معزولة عن جماهير اليهود الألمان, ولم تخرج الحركة الصهيونية في ألمانيا من أزمتها إلا في العهد النازي>>.وكان أركان النازية في مقدمة المهتمين بإنجاح المشروع الصهيوني للاستيطان في فلسطين. فقد كتب منظر النازية الأكبر الفريد روزنبرغ عام 1927 في كتابه <<محاكمة اليهود في العصور المتغيرة>>:<< يجب تقديم العون الفعال للصهيونية حتى يمكن نقل أكبر عدد ممكن من اليهود الألمان إلى فلسطين سنويا>>.وفي 15/5/1935 قالت صحيفة <<داس ستكوازكوريس>> التي تنطق باسم جهاز المخابرات الألماني: <<ربما لن يطول الزمن حتى تستقبل فلسطين أبناءها الذين افتقدتهم منذ ألف سنة, وتقف معهم رغبتنا ورغبة الدول الحسنة>>.وبوصول الحزب النازي بقيادة هتلر إلى السلطة في ألمانيا (كانون الثاني 1933) بدأ تطبيق سياسة مضايقة اليهود المعارضين للصهيونية من الذين يعتبرون ألمانيا وطنهم, فوافق المجلس الوزراء الألماني في نيسان 1933 على قانون الخدمة المدنية الذي منع جميع اللاآريين, باستثناء الذين قاتلوا في الجبهة أو خسروا أبا أو ابنا في الحرب العالمية الأولى, من شغل أي مركز في الخدمة المدنية الاتحادية أو التابعة للولاية أو البلدية, كما منع اليهود المقبولين في الكليات والجامعات من أن يكونوا أعضاء في التنظيمات الطلابية, والمحررين السياسيين اليهود من حضور المؤتمرات الصحفية الحكومية. وتم كذلك إبعاد جميع القضاة والمحامين اليهود عن العمل في القضاء. وفي بروسيا طلب البرلمان من وزير التربية صرف جميع المعلمين اليهود وتحديد عدد الطلبة اليهود في الجامعات والمدارس فلا تزيد نسبتهم على واحد في المائة. وفي ميونيخ أعلن مراقب المدارس عدم السماح لأي من أولاد اليهود بدخول المدارس المسيحية ولأطباء المدارس اليهودية بمعالجة أولاد المسيحيين. وكان الهدف من هذه الإجراءات كما علق أحد الخبراء القانونيين اليهود البارزين <<خروج عدد كبير من اليهود واللاآريين والليبراليين من ألمانيا>>.رأت الصهيونية في صعود الحزب النازي واستلامه السلطة فرصة ذهبية لإجبار اليهود على الرحيل إلى فلسطين وتحقيق فكرتها القائلة بأن اليهود يجب ألا يكونوا جزءا من مجتمع غير يهودي. ومنذ البداية أجرت الحركة الصهيونية اتصالات كثيرة بقادة الحركة النازية على يد بعض زعمائها من أمثال بولكيس وتوسيغ. وقد عبر عنها الصحفي الألماني هانس هنيه بقوله: <<إن الصهيونيين لم يعتبروا توطيد أقدام في ألمانيا كارثة قومية, بل اعتبروه إمكانية تاريخية فريدة لتحقيق المقاصد الصهيونية>>. ووصف أدولف أيخمان أحد قادة النازية نفسه بأنه موالِ للصهيونية, وأقام علاقات ودية مع الصهيونيين.ساعد القادة النازيون الحركة الصهيونية في مساعيها لتوجيه الهجرة اليهودية إلى فلسطين, وشكل في برلين <<مكتب فلسطين لتنظيم هجرة اليهود الألمان>>, ولم يعد ممثلو الحركة الصهيونية <<يأتون إلى ألمانيا النازية لإنقاذ اليهود الألمان بل لاختيار الرجال والنساء والشباب والمستعدين للذهاب إلى فلسطين لكي يصبحوا روادا ويناضلوا ويحاربوا>>. وحظيت سياسة تشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين بتأييد هتلر نفسه, وأبدت الحركة الصهيونية استعداها <<لتحرير ألمانيا من يهودها>>.اتخذت العلاقة بين الحركة الصهيونية والنازية شكلها الرسمي بتوقيع الرايخ الألماني والوكالة اليهودية* اتفاقية <<هعفراه>> ( وتعني بالعبرية النقل أو التحويل) التي سمحت بنقل رؤوس أموال اليهود الألمان المهاجرين إلى فلسطين مقابل إلغاء الصهيونية للحصار الاقتصادي الذي فرضه اليهود الألمان على البضائع الألمانية بسبب القوانين التي فرضتها ألمانيا النازية على اليهود الألمان. ومنحت هذه الاتفاقية الرأسمالي اليهودي الألماني المهاجر إلى فلسطين حق إجراء اتصال بمصدر ألماني لنقل السلع من ألمانيا إلى فلسطين, على أن تدفع للمصدر الألماني, أموال مسحوبة من حساب مجمد لليهود المهاجرين ويتلقى المهاجر أمواله المحولة بهذه الطريقة من الوكالة اليهودية لدى وصوله إلى فلسطين. وبعد وقت قصير ألحقت باتفاقية <<هعفراه>> اتفاقية تتم بموجبها مقايضة البرتقال الفلسطيني بالخشب وورق اللف والسيارات والمضخات وآلات الزراعة الألمانية وغيرها.لقد منحت اتفاقية <<هعفراه>> الحركة الصهيونية سلاحا قويا لأنها سمحت بهجرة اليهود الألمان وحدهم إلى فلسطين وتعويضهم. وأما سائر اليهود فقد كانت أموالهم تصادر بدون أي تعويض. وكان منظمو الهجرة الصهيونية يناليون, بالتعاون مع النازيين, حصتهم من الفوائد المادية على حساب الأفراد من اليهود.وقد أيد المؤتمر الصهيوني* الثامن عشر الذي عقد في براغ (آب 1933) سياسة الحركة الصهيونية ورفض تبني اقتراح باشتراك المنظمة الصهيونية في الجهود لمقاطعة ألمانيا. وكان الاتحاد الصهيوني لألمانيا قد طمأن أحد كبار القادة النازيين بأن النداءات التي تدعو إلى مقاطعة ألمانيا ليست صهيونية. وقرر المؤتمر الصهيوني التاسع عشر الذي عقد في لوسيرن (أيلول 1935) أن يضع نظام <<هعفراه>> كله تحت الإشراف المباشر للجنة التنفيذية الصهيونية التي نقلت إليها الأسهم التي كان يملكها المصرف البريطاني ـ الفلسطيني. بلغت عمليات النقل التي حققتها <<هعفراه>> عام 1933 مبلغ 1,254,956 ماركا, ووصلت في عام 1937 إلى 31,407,501 مارك. وجاءت هذه الزيادة بعد مصادقة المؤتمر الصهيوني التاسع عشر على قوانين نورنبرغ (1935) التي أصدرتها السلطات النازية وقسمت مواطنيه الرايخ إلى درجتين:<<البرانجسبرغر>> الذي يجب أن يكون ذا دم ألماني نقي, و<<الستاتسانهوزيغر>> الذي هو من رعايا الدولة ولكنه ليس مواطنا, وبعد المصادقة كذلك على قانون <<من أجل حماية الدم والشرف الألمانيين>> الذي أضاف إلى قوانين نورنبرع أن الاثنين يجب ألا يتعايشا معا في إطار الزواج ولا خارجه, وصنف اليهود الألمان في الدرجة الثانية. وقد نالت الحركة الصهيونية المزيد من المكاسب بعد صدور هذه القوانين, على حين تدهور وضع اليهود الألمان.سمحت السلطات النازية في الوقت ذاته للمنظمة الصهيونية بإقامة مراكز تدريب مهني وزراعي للمرشحين للهجرة, وبتنظيم صوف لتدريس اللغة العبرية تحت إدارة روبرت فيلتش. كما سمحت للصهيونيين الألمان بحضور المؤتمر الصهيوني التاسع عشر. ووافقت الشرطة السرية الألمانية (الغستابو) في بافاريا على أن يرتدي أعضاء إحدى الحركات الصهيونية الملابس التقليدية لحركة الشبيبة اليهودية, في حين منعت سائر اليهود من ارتدائها.ظل العمل باتفاقية <<هعفراه>> قائما حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939), وبلغت قيمة الصفقات خلال هذه الفترة 140 مليون مارك ألماني.ازداد عدد اليهود في ألمانيا بعد ضم النمسا إلى الرايخ وعقد اتفاقية ميونيخ وتقسيم تشيكوسلوفاكيا, وبدأت السلطات النازية حملة أوسع لتهجير اليهود بالتعاون مع الحركة الصهيونية التي أرسلت إلى ألمانيا النازية ممثلين عن الموساد* هما بنيو غيتسبورع وموشيه أفرباخ للتعجيل بتنفيذ البرنامج الصهيوني الخاص بتأهيل اليهود للهجرة إلى فلسطين. ومنذ نهاية كانون الأول 1938 كان هذان الموفدان يعملان باستمرار على أراضي الرايخ لإعداد قوافل الهجرة إلى فلسطين دون أية معارضة من الشرطة الألمانية. وأرسلت الحركة الصهيونية كذلك موفدا آخر إلى فينيا هو موشي بار ـ جلعاد لتنفيذ المهمة ذاتها. وكانت الطريق الوحيدة للهجرة غير القانونية تمر من خلال قيادة الغستابو ومكتب <<أس أس .s.s>> للشؤون اليهودية.ووافق أيخمان على طلبات بار ـ جلعاد بتأمين المزارع والمنشآت لإقامة مراكز تدريب للراغبين في الهجرة ممن وافقت عليهم الحركة الصهيونية. وأكد أيخمان <<أن ألمانيا النازية مستعدة لإعطاء الصهيونيين بعض المزارع الواسعة كي يقيموا فيها مراكز تدريب وتجميع للشباب اليهود تمهيدا لتهريبهم إلى فلسطين>>. بل إنه قام في إحدى المرات بطرد <<عدد من الراهبات من أحد الأديرة ليوفر للصهيونيين كل وسائل التدريب التي تلزمها في إحدى المزارع>>.وبنهاية عام 1938 كان نحو ألف يهودي يخضعون للتدريب في هذه المعسكرات التي أقامتها السلطات النازية. ووفر النازيون الحماية الرسمية لقوافل الهجرة إلى فلسطين.وكانت هذه الاتفاقية الخاصة بالهجرة قد أقرت رسميا من قبل النازين (ولو بشكل سري), وأصدر هتلر أوامره في كانون الثاني 1938 بتوجيه الهجرة اليهودية إلى فلسطين مباشرة, وأبلغت أجهزة الحزب النازي الوزارات المختصة بقرار هتلر أن يستمر تشجيع الهجرة اليهودية من ألمانيا إلى فلسطين بجميع الوسائل الممكنة.وفي 9/11/1938 نفذ النازيون اضطرابات المنظمة أحرقت فيها ممتلكات اليهود الألمان واعتدي عليهم. وكانت النتيجة أن أخذ اليهود من جميع أنحاء ألمانيا يتقدمون بطلبات الهجرة إلى مكاتب <<حركة الريادة الصهيونية>>. وقد بلغت نسبة المهاجرين اليهود من ألمانيا إلى فلسطين عام 1938 نحو 52% من المجموع العام لليهود المهاجرين. واستمر العمل باتفاقيات الهجرة الصهيونية ـ النازية على هذا الشكل لمدة سنتين بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.وعقب بدء الغزو النازي للاتحاد السوفيتي صيف عام 1941 وجد هتلر أنه لم يعد من الممكن تخليص أوربا من اليهود بالهجرة. وتبنى ما سمي <<الحل النهائي للمشكلة اليهودية>> فأقيمت معسكرات الإبادة الجماعية لتنفيذ هذا الحل.وإزاء هذه السياسة الجديدة للنازيين وجدت الحركة الصهيونية نفسها أمام اختيارين اثنين, الأول إلغاء اتفاقيات 1938 وإعلان الحرب ضد النازية. وهذا يعني التخلي بشكل نهائي عن تأمين هجرة محدودة للعناصر الصهيونية من أوربا والتعاون مع غير اليهود في مواجهة الغزو النازي, وبالتالي دحر فلسفة الحركة الصهيونية. والاختيار الثاني هو قبول السياسة النازية الجديدة ومساعدة السلطات النازية في تنفيذ خططها بشأن اليهود. واختارت الحركة الصهيونية الحل الثاني وأبقت باب الاتصال مفتوحا مع ألمانيا النازية.أقامت السلطات النازية في كل <<غيتو>>* يهودي ما سمي المجلس اليهودي ( اليودنرات). وكان معظم أعضاء المجالس من الصهيونيين الذين تعاونوا مع النازيين وقاموا بإعداد قوائم اليهود الذين أرسلوا إلى الموت وشاركوا في إخماد مقاومة يهود الغيتوات للغزو النازي. وشهد غيتو مدينة فيلنو (ليتوانيا) صورة واضحة لهذا التعاون في مشاركة جاكوب جنز ـ الصهيوني المتعاون مع النازيين وعضو المنظمة العسكرية للصهيونية التصحيحيين ونائب قائد قوة شرطة اليهود في فيلنو ـ في قمع مقاومة يهود الغيتو و إبادتهم, الأمر الذي دفع النازيين إلى تعينيه قائدا لجميع الغيتوات الريفية في منطقة فيلنو. وعمد آباكوفنر ممثل هاشومير هاتسعير (منظمة الحارس الفني) وقائد قوات القتال السرية في فيلنو إلى منع يهود الغيتو من مغادرته هربا من القتل, باستثناء أعضاء هاشومير هاتسعير. كما ساهم في إرسال اليهود الذين نجوا من الموت في الغيتو إلى معتقلات الإبادة.وفي سليزيا الشرقية العليا (قسم من بولونيا كان قبل نهاية الحرب العالمية الثانية تابعا لألمانيا) أقام النازيون مجلسا للشيوخ اختاروا أعضاءه من الصهيونيين, ونصبوا مونيك ميرين أحد الصهيونيين في جالية سوستوفيتش (سليزيا) زعيما لجميع مجالس الشيوخ, وترك مصير أي يهودي رهنا بقرارات هذه المجالس مع إبقاء عمليات الخطف والاعتقال في أيدي الشرطة اليهودية المتعاونة مع النازيين. وأعد المجلس اليهودي لغيتو بياليستوك (بولونيا) قوائم بأسماء 6,300 يهودي لإرسالهم إلى معسكرات الإبادة. وفيما بعد ساهم أفرايم باراز زعيم المجلس في إخفاء خطة النازيين (بدأ تنفيذها في 15/8/1943) لإبادة سكان غيتو بياليستوك الأربعين ألفا. ونظم حاييم رومكوفسكي أحد القادة الصهيونيين في لودر رحلات الموت لليهود وأصدر مراسيم خاصة به تكمل مراسيم النازيين.وكشف المستشرق البريطاني فارس غلوب النقاب عن أن رودولف كاستنير ـ من لجنة الإنقاذ التابعة للوكالة اليهودية في بودابست ـ وقع اتفاقا مع أدولف أيخمان يتعلق بمصير 800 ألف يهودي في المجر. وقد سمح بموجب هذا الاتفاق بهجرة 600 صهيوني بارز مقابل إبادة اليهود المجرين. وكان الشرط الإلزامي بأن سمحت السلطات النازية بإقامة دائرة إنقاذ برئاسة كاستنر تابعة لشرطة <<الأس. أس>>. وقد تم إخراج هذه الاتفاقية إلى العلن عام 1953 إثر الفضيحة المعروفة <<بقضية كاستنر>>. وحتى لا ينكشف المزيد من المعلومات عن تعاون الوكالة اليهودية مع السلطات النازية عمدت المخابرات الإسرائيلية إلى قتل كاستنر على يد أحد عملائها, رئيف أكشتاين.شهدت غيتوات بولونيا وليتوانيا والمجر ورومانيا حالات مماثلة لتعاون الصهيونيين مع النازيين على قمع معارضة اليهود وإرسالهم إلى معسكرات الموت في أوشفيتز وغيرها.وكشف الكاتب الألماني كلاوز بولكهين النقاب عن وثيقة سرية تسلط الضوء على علاقة منظمة الإرغون* بالنازية عام 1941. ومما جاء فيها: <<إن المنظمة العسكرية الوطنية التي تعرف جيدا حسن نية حكومة الرايخ الألماني وسلطاتها نحو النشاط الصهيوني داخل ألمانيا ونحو خطط الهجرة الصهيونية ترى:1ـ أن مصالح مشتركة يمكن أن توجد بين تأسيس نظام جديد في أوربا ينسجم مع المفهوم الألماني, و المطامح الوطنية الحقة للشعب اليهودي كما تجسمها المنظمة العسكرية الوطنية.2ـ أن التعاون بين ألمانيا الجديدة والأمة العبرية المتجددة سيكون ممكنا.3ـ أن تأسيس الدولة اليهودية التاريخية على أساس قومي وكلي مقيدة بمعاهدة مع الرايخ الألماني سيكون في مصلحة المحافظة على مستقبل القوة الألمانية في الشرق الأدنى وتعزيزه.<< انطلاقا من هذه الاعتبارات تعرض المنظمة العسكرية الوطنية القيام بدور نشيط في الحرب إلى جانب ألمانيا, بشرط اعتراف حكومة الرايخ الألماني بالمطامح الوطنية السالفة الذكر لحركة التحرير اليهودية>>.كانت ممارسات ممثلي الحركة الصهيونية المتعاونين مع النازيين في أوربا الشرقية انعكاسات للسياسة الصهيونية الرسمية وجزءا من المخطط الصهيوني الرامي إلى إقامة الكيان الصهيوني العنصري على أرض فلسطين. ومن أجل هذا الهدف عمدت الحركة الصهيونية إلى التعاون الكامل مع النازية وتقديم المساعدة الممكنة للتخلص من اليهود المعارضين للهجرة إلى فلسطين مقابل السماح بهجرة الصهيونيين. وقد استغلت الحركة الصهيونية ممارسات النازية على اليهود في أوربا ـ وكانت هي التي ساهمت في تنفيذها ـ لكسب الرأي العام الأوروبي إلى جانبها, و <<لجمع المليارات في شكل تعويضات من الألمان>> ولتبرير جرائمها العنصرية ضد الشعب العربي الفلسطيني بحجة إقامة وطن لليهود الذين اضطهدوا على أيدي النازية.وهكذا شكل التعاون الصهيوني ـ النازي صورة حية لأخطر حلف شيطاني بين أعتى حركتين عنصريتين في العصر الحديث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق