الخميس، 28 مايو 2009

الأبارتيد الصهيوني

? للوهلة الأولى، قد يعتقد البعض أن اللاسامية المعكوسة تعني أن الإيديولوجيين الصهيونيين ينسبون إلى شعوب العالم الأخرى ـ غير اليهود، الصفات نفسها التي ينسبها اللاساميون لليهود أنفسهم، لأنهم يهود. وهذا صحيح إلى حد ما، لأن اللاسامية والصهيونية مصدرهما واحد وهو العنصرية، وكلاهما ينطلق من مقولات شوفينية وعنصرية تفترض، سلفاً وبشكل قاطع ونهائي، أنه من غير الممكن، في ظل أي نظام سياسي، أو أي تشكيلة اجتماعية ـ اقتصادية، أن تتعايش شعوب مختلفة في أخوة وتعاون ومساواة (1). ويتأكد هذا عندما نعرف أن الصهيونية نتيجة تزاوج غريب بين أساطير ومقولات توراتية والأسس العامة للإيديولوجية الألمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكما تطورت الإيديولوجية الألمانية في القرن العشرين إلى النازية، التي نادت بضرورة سيطرة العرق الآري على البشرية، أصرت الصهيونية على تفرد اليهود وتفوقهم على شعوب العالم، بل يعتقد جنرالات إسرائيل أن البشرية، ليست الا كرة، وجدت ليلهوا بها، لأن إسرائيل فوق كل القوانين والمواثيق، أو كما يقول اريئيل شارون «لا يحق لأي كان في العالم أن يقدم إسرائيل إلى المحاكمة، وليس هناك أحد يحق له أن يحيل الشعب اليهودي على محاكمة أمام محكمة شعوب العالم، بل العكس، لنا نحن دائماً حق محاكمة الآخرين» (2).‏

إلى ذلك، يرى آخرون، أن اللاسامية المعكوسة إنما تعني إعادة إنتاج العنصرية. وتعرف الموسوعة البريطانية العنصرية «بأنها النظرية أو الفكرة القائلة إن هناك علاقة سببية بين الصفات الجسدية الموروثة وبين صفات معينة متعلقة بالشخصية أو العقل أو الثقافة، ويضاف إلى ذلك فكرة أن بعض الأعراق متفوقة على أعراق أخرى بصورة ورائية. إن تعبير العنصرية، ليس مرتبطاً بالضرورة بالتفريعات البيولوجية أو الانثروبولوجية للعرق، الذي هو تقسيم فرعي للنوع، وغالباً ما يجري سحب الأفكار العنصرية بلا تمييز على مجموعات غير بيولوجية وغير عرقية مثل الطوائف الدينية والمجموعات اللغوية، والمجموعات الأثنية والثقافية» (3).‏

أما موسوعة لاروس، فتعرف العنصرية بمايلي:‏

«العنصرية هي نظام يضفي تفوقاً لجنس من الأجناس، أو سلالة من السلالات البشرية على بقية الأجناس والسلالات، وبصورة عامة، فإن العنصرية توجد في كل مرة تتشبع فئة من الناس بفكرة أن تفوقهم على غيرهم من الأجناس سببه النقاوة في سلالتهم وعدم اختلاطهم بأجناس أو سلالات أخرى، بل أن بعض الشعوب تنسب لنفسها نتيجة للنظرية العنصرية حق فرض آرائها وتصوراتها العنصرية على الآخرين، ولكن هذه النظرية (العنصرية) لا تبدو أنها قادرة على الدفاع عن نفسها من وجهة النظر العلمية، إذ إن السلالات والأجناس النقية قد اختفت من كوكبنا من زمن طويل، ومن ناحية أخرى من غير الممكن أن نتكلم عن تفوق سلالة أو جنس من الأجناس، لأن لكل جنس أو سلالة صفاتها وخصائصها، بل إن الشعوب التي تتكون من سلالات عديدة مختلطة هي التي أسهمت أكثر من غيرها في تقدم البشرية. ومن جهة أخرى، العنصرية من وجهة النظر الأخلاقية، معادية لمبادئ الإنسانية والعدالة والأخوة والرأفة والمساواة ولكرامة الإنسان واحترام الشخصية الإنسانية. إن العنصرية تشكل اعتداء على المدنية وعلى الضمير الخلقي، فضلاً عن أنها تمت بصلة للديكتاتورية، فيما تنظر إلى الأفراد، لا حسب أهميتهم ومزاياهم الشخصية، ولكن على أساس تبعيتهم للجنس الفلاني أو الآخر الذي فرض عليهم مسبقاً (4).‏

وأخيراً عرفت الأمم المتحدة التمييز العنصري في المادة الأولى من ميثاقها بشأن إزالة جميع أشكال التمييز العنصري الصادر في 20/12/1965 كمايلي:‏

«في هذا الميثاق تعني عبارة التمييز العنصري، أي تمييز أو استبعاد أو تقييد على أساس العرق أو اللون أو السلالة أو الأصل القومي أو العرقي، ويكون الغرض منه أو نتيجته الغاء أو تعديل الاعتراف أو الاستمتاع أو الممارسة، على قدم المساواة، لحقوق الإنسان والحريات الأساسية في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، أو أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة» (5).‏

إلى حد ما، قد يكون هذا الفهم للاسامية المعكوسة صحيحاً، إذ إن الصهيونية أوجدت، ومن الناحية العملية، وبرغم المظاهر البراقة للديمقراطية الإسرائيلية المزعومة كياناً ينقسم الناس فيه إلى فئات على أساس عرقي، تحدد مكانتهم الاجتماعية وامتيازاتهم استناداً إلى ذلك. ومن الحقائق التي لا يستطيع أحد في إسرائيل إنكارها، قضية التمييز ضد اليهود الشرقيين، الأوضاع اللاإنسانية التي يعيش في ظلها اليهود الأحباش (الفلاشا)، الحرمان من معظم الخدمات للقرى الدرزية والبدوية التي يفرض على أبنائها الخدمة في الجيش الإسرائيلي، الصدامات بين المتدينين والعلمانيين، وأخيراً قضية اللاتعايش بين اليهود المغاربة واليهود الروس، هاتان الجاليتان اللتان تشكلان قوى صاعدة في المجتمع الإسرائيلي وتحاولان أن تؤثرا في الحياة السياسية الإسرائيلية من خلال أحزابهما ـ حركة غيشر التي يتزعمها ديفيد ليفي، المشكلة أساساً من يهود مغاربة، وحزبي إسرائيل بيتنا ويسرائيل بعاليا، المشكلين من اليهود الروس. وهذه صورة للوضع داخل مدينة كريات جات التي يسكنها الروس والمغاربة، كما صورتها جريدة «بلدنا» الناطقة باللغة الروسية في ملحق يوم الجمعة بتاريخ 3/12/1998. تقول الجريدة إن سياسة بوتقة الصهر الشهيرة التي تحدثت عنها الصهيونية، ليس فقط أنها لا تربط بينهم، بل على العكس من ذلك، فقد أنشأت نقيضها على صورة أشكال جديدة من العزل، فالغيتو الجسماني، تحول إلى غيتو ثقافي وغيتو في أسلوب التفكير.. فالروسي لا يستطيع أن يقترب من الغيتو المغربي... لم ير القادمون الجدد، ومنذ اللحظة الأولى في السكان القدامى لكريات جات إخوانهم اليهود، ومنذ اللحظة الأولى لم يحب السكان القدامى القادمين الجدد ـ هؤلاء الاشكناز الذين أتوا إلى المدينة بأعداد كبيرة (6). وفي استفتاء قام به معهد الأبحاث الاجتماعية والسياسية في إسرائيل وبالتعاون مع معهد موتاغيم. وشمل 1200 شخص من اليهود الروس، ونشرت نتائجه في جريدة أخبار الأسبوع الناطقة باللغة الروسية في عددها الصادر في 20/11/1998، نجد النتائج التالية: (7)‏

ـ 73% يعتقدون أن التناقض الاثني يتفاقم في إسرائيل.‏

ـ 53% أجابوا أنهم اصطدموا بحوادث تمييز على خلفية أثنية.‏

ـ 49% يعتقدون أن التجمع الروسي يتعرض للتمييز على خلفية أثنية في إسرائيل.‏

ـ 56% يعتقدون أن التناقض الاثني سيستمر ويتصاعد على إسرائيل.‏

ولا شك أن قراءة دقيقة لنتائج هذا الاستطلاع تعطينا فكرة عن توجهات فئات مختلفة من الشعب الإسرائيلي، وكذلك عن أفكارها نحو المستقبل. وهذا يدعم مسلمة سياسية هامة وهي أن الصهيونية غير القادرة على إقامة السلام العادل والدائم مع العرب، لأنه يتناقض تناحرياً معها ويعني نهايتها المحتومة، هي أيضاً غير قادرة على إقامة السلم المجتمعي بين مختلف المكونات الاثنية للمجتمع الإسرائيلي.‏

ما المقصود إذن باللاسامية المعكوسة؟‏

قبل الإجابة عن هذا التساؤل، سأورد ما قاله اليكس سايل في جريدة الاندبندت البريطانية ونقلته الأهرام ويكلي AL - Ahram Weekly في عددها الصادر في 15/2/2001 يقول الكاتب:‏

«مسألتان كانتا تصفعاني على الدوام: هما نشأة دولة إسرائيل غير الطبيعية ومشكلة الفلسطينيين التي أصبحت قضية مهملة في العالم. فالشعب العربي المسالم لم يلحق الأذى باليهود الهاربين من مجازر أوروبا. وعندما أرادت الصهيونية تأسيس وطن لهم، لماذا لم تقتطع أرضاً من ألمانيا؟! السبب أن الصهيونية لم تكن تنظر إلى العرب على أنهم صنف من البشر، وكان الغرب يشارك الصهيونية هذه النظرة. وعليه سرقت أموالهم وأراضيهم وقتلوا دون أن ترف جفونهم... ويخلص الكاتب إلى الحقيقة التالية: «الحقيقة أن إسرائيل هي الحصن الأخير للاستعمار، وآخر مستعمرة أسستها أوروبا البيضاء في العالم الثالث، وهي عبارة عن حاملة طائرات لحماية المصالح النفطية وكأسفين بين الدول المنتجة للنفط» (8).‏

وهذا يساعدنا في شرح مفهوم اللاسامية المعكوسة، والذي لابد أن يعني أن الصهيونية، التي استخدمت اليهود كوقود لحروبها، التي تخوضها لأهداف سياسية تمليها مصالح الدول الراعية للمشروع الصهيوني في فلسطين، كذلك، أملت مصالحها ومخططاتها السياسية أن تتحالف مع قتلة اليهود في روسيا القيصرية، وإيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية، وأن سياسة القادة الإسرائيليين الحالية القائمة على تصوير إسرائيل كحاملة طائرات للولايات المتحدة في المنطقة، ستجلب الدمار والويلات لليهود أنفسهم.‏

ويبدو أن الرغبة في أن تعيش إسرائيل، كدولة، على حد السيف إلى الأبد، كما ينقل يوئيل ماركوس من صحيفة هآرتس في 13/4/2001 عن اريئيل شارون، رئيس وزراء إسرائيل، وكما نقل كتاب آخرون عن موشي دايان، وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق، هذه هي أيضاً رغبة من يسمون بمفكري اليسار الإسرائيلي (9). ففي مطلع عام 2001 نشرت صحيفة هآرتس مقالاً مدفوع الأجر وقع عليه ممثلو اليسار الإسرائيلي، أعلنوا فيه موقفهم الواضح والصريح الرافض لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم وأراضيهم التي تشكل دولة إسرائيل، ومن بين الموقعين على المقال الروائي والمفكر الإسرائيلي المعروف عاموس عوز، الذي نشر بالإضافة إلى ذلك مقالاً في صحيفتي الغارديان البريطانية ويديعوت أحرونوت الإسرائيلية قال فيه إن المطالبة بحق عودة اللاجئين يعني أنه بدل دولتين لشعبين ستكون هناك دولتان عربيتان، والحل الذي يقدمه عاموس عوز لا يختلف كثيراً عن الحل الذي طرحه جابوتنسكي، مؤسس حيروت، قبل سبعين عاماً، ويدعو لإقامة جدار حديدي للفصل بين العرب واليهود (10). يقول فلاديمير زئيف جابوتنسكي! «لا جدال، ولا بأي شكل من الأشكال حول إمكانية قيام صلح طوعي حديدي لا يستطيع سكان فلسطين اختراقه (11)». هل صدفه أن ايهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل العمالي كان في آخر أيامه يطالب بإقامة جدار للفصل بين العرب واليهود أم أنه لا فرق بين الليكود والعمال عندما توضع حقوق العرب في الميزان؟‏

الصهيونية واستغلال الدم اليهودي‏

اختلف الفلاسفة في تعريف الإيديولوجية، فقال بعضهم أن الإيديولوجية مجموعة من الأفكار المتكاملة والمتسقة مع بعضها، تستخدمها جماعة من الناس لتكوين مرجعية لنظرتها إلى العالم، ولتقديم الأجوبة عن التساؤلات المتصلة بالأحداث الجارية في العالم، مسارها، وآفاق تطورها على المدى القريب والبعيد، محلياً وإقليمياً وعالمياً، وأخيراً تقديم المعايير المعرفية وحتى الأخلاقية للتمييز بين الصح والخطأ، الخير والشر، التكتيكي والاستراتيجي، والمرحلي والدائم (12). وقد تستند الإيديولوجيا في تقديم نظرتها الشاملة للعالم إلى مرتكزات أساسية ترتقي إلى درجة المسلمات البديهية لدى اتباع الإيديولوجيا، وتشمل، ضمن أشياء أخرى الغيببيات Metaphysics، وما وراء التاريخ، Metahistory وكلاهما يشكلان أهم مرتكزين للإيديولوجيا الصهيونية أو التاريخية Historicity، الصراع من أجل البقاء، النظرة المادية للكون...إلخ. ويلجأ اتباع الإيديولوجيا إلى هذه المفاهيم لاستنباط الإجابات والحلول، أو توليدها، عندما تواجههم تحديات خارجية أو متغيرات ما (13).‏

ويعتقد آخرون أن الإيدلولوجيات من أكثر وسائل تشكيل العقل في العصر الحديث Means of Indoctrination، ويرى هؤلاء أن الإيديولوجيا هي جملة وجهات النظر السياسية والأخلاقية والحقوقية والدينية والفنية والاجتماعية والاقتصادية التي تعكس مصالح هذه الطبقة أو تلك، واستناداً إلى ذلك قال بعض المفكرين إن الصهيونية هي إيديولوجيا الفئات الأكثر رجعية بين اليهود (14).‏

ثمة تعريف ثالث للإيديولوجيا يقول: إنها شكل من أشكال الفلسفة الاجتماعية السياسية ـ الاقتصادية والعناصر العملية فيها على القدر نفسه من الأهمية مع العناصر النظرية. ويقول تعريف رابع للإيديولوجيا بأنها منظومة فكرية متكاملة لتفسير التاريخ والمجتمع بشكل شامل وتفسير وتسويغ التغييرات الجارية في العالم (15).‏

ولخلق المجتمع المنشود، حاولت مختلف الإيديولوجيات إيجاد الإنسان الملائم لها. فتحدث أفلاطون في جمهوريته عن الملك الفيلسوف، وتحدث زعماء الإمارات والممالك الأوروبية في العصور الوسطى الذين شنوا الحروب الصليبية عن «القديس المحارب». وآمنت الفاشية، كما يقول موسوليني، بضرورة خلق الإنسان الذي يناسب أهدافها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وضرورة أن يكون قديساً ومحارباً في الوقت نفسه، وسعت النازية لخلق الإنسان المؤمن بالنظرية الآرية، المتفوق على ذاته، المؤمن أن الشعوب الأخرى وجدت لخدمته. (16) أما الصهيونية فقد سعت لتحقيق الهدف ذاته، من خلال خلق الإنسان المشبع بالأنا المطلقة للصهيوني ويضعها خارج، بل فوق كل القيم والمبادئ والقوانين. أو كما يقول فلاديمير جابوتنسكي: إذا سئلت «من أنت؟» أجيب «أنا ابن نفسي!» وفي مناسبة أخرى يقول جابوتنسكي مخاطباً أنصاره: «كل إنسان آخر على خطأ، وأنت وحدك على صواب. لا تحاول أن تجد أعذاراً من أجل ذلك، فهي غير ضرورية، وغير صحيحة، وليس بوسعك أن تؤمن بأي شيء في العالم، إذا اعترفت، ولو مرة واحدة أنه ربما يكون خصومك على صواب. لا توجد في العالم إلا حقيقة واحدة، وهي بكاملها ملكك أنت. وإذا لم تكن واثقاً فابق في بيتك، ولكن إذا كنت واثقاً لا تتطلع إلى الوراء، وستأتي في اتجاهك» (17).‏

والإنسان الذي خلقته هذه التربية، باعتراف ليون أوريس مؤلف رواية الخروج The Exodus، وهو كاتب معروف بعدائه الشديد للعرب، ومن أكثر مؤيدي الحركة الصهيونية، غريب حقاً. لنقرأ ما يقول ليون أوريس: «لقد خلقنا جيلاً من الطرازنات ليدافعوا عن إسرائيل. إننا لا نستطيع أن نعطيهم غير حياة من دماء... إن الجيل الإسرائيلي يرفض الوصايا العشر... هنا أرادنا الله أن نكون على الجبهة... لقد أخبرني جنودي أنهم يريدون أن يعبروا الحدود إلى جبل سيناء ليعيدوا الوصايا العشر إلى الله لأنها لم تعطنا إلا المصائب (18).‏

ولخلق هذا الجيل، احتاجت الصهيونية إلى زرع عدد من الأساطير المؤسسة لنظريتها ولدولة إسرائيل في أذهان يهود العالم.‏

1ـ اللاسامية أو أبدية العداء لدى شعوب العالم وكراهيتهم لليهود كيهود، واستغلت هذه الدعاية لعزل اليهود عن بقية الشعوب ومنع اندماجهم بها، في الوقت الذي تحالفت فيه الحركة الصهيونية مع أكثر أعداء اليهود دموية وبطشاً.‏

2ـ تفوق اليهود على بقية شعوب العالم، وهذه النظرية العنصرية في جوهرها، مأخوذة أساساً من المعتقدات السائدة لدى القبائل البدائية التي كانت كل منها تعد نفسها الأكثر تفوقاً على غيرها، أكثر من ذلك، وفي عصر كانت القبيلة هي المجال الحيوي للفرد، ملاذه وقدره، لا يستطيع تجاوزه ولا غنى له عنه، كما يقول علم النفس الاجتماعي التاريخي. فقد كان الاعتقاد السائد هو أن الخير من القبيلة وفيها، ولا يأتي من خارجها غير القوى الشريرة والمصائب. ومن يقرأ الأدبيات الصهيونية، يجد كماً هائلاً من البراهين على ذلك.‏

3ـ تفرد اليهود واختلافهم عن بقية شعوب العالم. إذ إن مجتمعاتهم لا طبقية، وعلاقاتهم داخل مجتمعاتهم مختلفة عن بقية شعوب العالم، يضاف إلى ذلك، أنهم وفق هذه المزاعم يشكلون أمة عالمية فوق ترابية، تمتاز عن غيرها بنقاء الدم، وكأن اليهود لم يمتزجوا بالعالم ويتزاوجوا معه. وكأن الزواج المختلط ليس من أكبر المشكلات التي تؤرق قادة الحركة الصهيونية ودعاتها.‏

وثمة أسئلة كثيرة من الناحية العلمية تدحض هذه الإدعاءات ومنها كيف نفسر رابطة الدم بين اليهودي الأنكلو سكسوني، واليهودي العربي، واليهودي الإيراني واليهودي في بلاد الخزر، يهود الفلاشا والزنوج العبرانيين؟ لماذا يتم التمييز ضد اليهود الشرقيين، يهود الفلاشا والزنوج العبرانيين ما دامت دماؤهم يهودية نقية؟ ما هي علاقة اليهود المعاصرين باليهود القدماء في مملكة يهوذا قبل 3000 سنة؟‏

4ـ المصير المشترك لليهود، لأن ديانة اليهود قومية. وإضافة إلى الاستلاب العقلي الذي تشكله مجموعة الأساطير المؤسسة للصهيونية والتي تجعل الخرافات والأساطير تتحكم بعقول البشر، وتقرر مصيرها، تسعى الصهيونية إلى زرع ما يعرف بذهنية الكارثة.أي الخوف الدائم من مصيبة قادمة يقول موشي دايان، وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق: «إن إسرائيل مرتكزة على السيف، هذا هو قدر جيلنا... خيار حياتنا أن نكون مستعدين ومسلحين، أقوياء وغلظاء، وإلا سوف يسقط السيف من قبضتنا. وحينئذ تنتزع حياتنا» (19).‏

ذهنية الكارثة‏

المقصود بالذهنية مجموعة الآراء والأفكار والمعتقدات التي تتحكم بسلوك الفرد أو المجتمع وردود أفعاله على المتغيرات المختلفة، وهذا بالضرورة يعني المجتمع الذي خلقته الصهيونية وزرعت فيه أفكارها ومعتقداتها من خلال:‏

1ـ وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة.‏

2ـ المدرسة والجامعة، سواء من خلال الكتب المدرسية للتاريخ والأدب أم من خلال التفسيرات التي تقدمها تلك الكتب للأحداث التاريخية.‏

3ـ المؤسسة الدينية، ذات التأثير الواسع جداً سواء عبر الأحزاب الدينية، أو المؤسسات الدينية، أو المدارس الدينية، أو أخيراً عبر الكنس.‏

4ـ الجيش، الذي يعد أكبر مؤسسة تعليمية في إسرائيل، خصوصاً إذا أخذنا في الحسبان أن الحاخامية العسكرية تشرف على التوجه السياسي والديني فيه.‏

أما المقصود بالكارثة هو الإدعاء أن اليهودي يعيش في حالة خطر دائم يتهدده لأنه يهودي. ومن اللافت للنظر أن قادة الحركة الصهيونية وإسرائيل يتمسكون بترويج هذه الإدعاءات بغض النظر عن التطورات الإقليمية والعالمية، حتى ولو كانت إسرائيل من حيث القوة العسكرية تعد من بين أقوى خمس دول في العالم.‏

لنقرأ بعض الأمثلة عن الإدعاءات الإسرائيلية والصهيونية:‏

1ـ تتحدث غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل السابقة عن ذكرياتها عن مرحلة الطفولة التي عاشتها، وكيف أنها كانت دائماً تخشى حدوث مذبحة ضد اليهود في بلدتها كييف، إلا أن الخوف وما رافقه من استنتاجات لاحقة تنطبق، وفق رأيها على كل زمان ومكان. إنها لا تروي مذكراتها بل تريد أن تسهم في تربية جيل كامل يكون الذعر والخوف من الآتي هما الأساس في حياته:‏

«لم تحدث تلك المذبحة إطلاقاً، لكنني إلى هذا اليوم، ما زلت أذكر مدى خوفي وغضبي لأن الشيء الوحيد الذي كان والدي يستطيع أن يفعله لحمايتي وأنا انتظر الرصاص أن يأتي ويخترق جسدي هو أن يضع بضعة ألواح خشبية على الباب. وأتذكر أكثر من أي شيء آخر، أن ما يجري لي سببه فقط أنني يهودية. وقد راودني هذا الشعور مرات عدة في حياتي... الخوف... الشعور بأنني منبوذة، والإدراك أنني مختلفة عن الآخرين» (20).‏

ولإعطاء فكرة واضحة حول تطور هذا المنهج في التربية الفكرية والتثقيف السياسي لليهود، وفي سبيل دراسة التطور التاريخي لهذه العملية المنهجية المتكاملة من جهة، والداعمة لكل أشكال التربية الدينية والسياسية والاجتماعية في أوساط اليهود وداخل إسرائيل لاحقاً، سوف نقسم البحث إلى ثلاث مراحل:‏

1ـ المرحلة الأولى: وتشمل الوضع السائد في روسيا ودول أوروبا الوسطى قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.‏

2ـ المرحلة الثانية: تعاون الصهيونية مع النازية والفاشية.‏

3ـ المرحلة الثالثة: بعد قيام إسرائيل.‏

وسيهتم البحث أيضاً بفضح المفارقة الصارخة بين الإدعاءات الصهيونية، وممارساتهم الفعلية، أي كيف تحالف هؤلاء مع القتلة الحقيقيين اليهود.‏

المرحلة الأولى..‏

في 24/10/1985، نشر الكاتب الإسرائيلي المعروف موريس كوهين مقالاً في صحيفة هآرتس صرح فيه: «يخيل إلي أنه لا يوجد معادون للسامية أكثر من اليهود أنفسهم». ألا يبدو هذا متناقضاً مع اتهام الصهيونية لكل أعدائها وخصومها بالعداء للسامية؟ هل يعقل أن زعماء اليهود كانوا على الدوام من أهم حلفاء أعداء السامية؟! ألم تتحول كلمة اللاسامية إلى أداة لقمع كل الخصوم والمناوئين حتى من بين اليهود أنفسهم؟ هذا على الأقل ما نفهمه عند قراءة ما يقوله جان بونبيرو، الكاتب اليهودي الفرنسي في مقال له بعنوان «الفسلطينيون... الغرب ودينية اللسان».‏

«اللاسامية كلمة مليئة بالدم والحقد الصوفي والغدر الآثم وعقدة الذنب.. كلمة مكيفة من قبل تاريخ فرنسا في الحروب الصليبية إلى دريفوس وبيتان.... كلمة لاسامية الآسرة المتسلطة الوسواسية... تنفذ وتنبسط وتفرض نفسها، تقيم التحالفات، تجر وراءها تداعيات أفكار... تعلق على الجدار، وتطرد أصغر طرف يحاول أن يعيق قليلاً دولاب الخطاب» (21).‏

لا شك أن الإجابة عن التساؤلات التي طرحت في الأسطر القليلة السابقة تفرض علينا العودة قليلاً إلى الوراء.‏

يطلق مصطلح السامية والساميين على الشعوب التي يعتقد أنها انحدرت من صلب سام بن نوح، وقد ظهر هذا المصطلح عام 1781 واستخدمه أول مرة العالم النمساوي شلوتزر، ويلقى معارضة علماء الأجناس. أما مصطلح اللاسامية فلم يكن معروفاً حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وقد ظهر أول مرة في المقالات التي نشرها هنريخ فون ترتسينج حول القضية اليهودية (22). وهذا يعني أن اللاسامية ألمانية المولد، ولم تنشأ في روسيا رداً على الظروف الصعبة جداً التي كان اليهود هناك يعيشونها.‏

وتؤكد كتابات عدد كبير من الكتاب الصهاينة أن اللاسامية ظهرت وترعرت في ألمانيا في أواخر السبعينيات في القرن التاسع عشر. ومن بين الكتاب الذين يؤكدون أن اللاسامية ألمانية المنشأ نذكر البروفيسورة شولاميت فولكوف أستاذ التاريخ الحديث في قسم التاريخ، عضو الأكاديمية الألمانية للتاريخ، وهي محاضرة في جامعة تل أبيب، ولها بحث بعنوان: «اللاسامية الألمانية والفكر القومي اليهودي»، نشر باللغة الألمانية عام 1979، وترجم إلى اللغة الإنكليزية عام 1981، وكذلك الكاتب م. ما سينج فولف مؤلف كتاب «إعادة التدمير».. دراسة في الفكر اللاسامي في الإمبراطورية الألمانية» وطبع في نيويورك 1949، والكاتب ب.ج. بلزر مؤلف كتاب «صعود اللاسامية في ألمانيا والنمسا» وقد نشر في لندن عام 1964.‏

أكثر من ذلك، يعترف المفكرون الصهاينة بهذه القضية، أي أن اللاسامية ألمانية المنشأ، وإن كان بعضهم يقول إن منشأها أوروبا الغربية بشكل عام. (23) حتى المفكرون الصهاينة المولودون في روسيا كانوا يطرحون أمثلة عن اللاسامية من الأحداث التي شهدتها ألمانيا. وإليكم ما يقوله الكاتب الصهيوني المعروف آحاد هاعام: «لقد عانينا نحن اليهود في الشرق من الفقر والجهل والإذلال... لكن يهود الغرب كانوا في ظل التبعية الروحية والأخلاقية، وأصبحوا عبيداً لحقوقهم» (24).‏

ويعتبر موسى هيس Moses Hess (1812 ـ 1875) وهو مفكر اجتماعي صهيوني من أصل ألماني من أوائل الكتاب الذين حاولوا استغلال اللاسامية لمهاجمة اندماج اليهود وأنصارهم في الحضارة الغربية، وادعى موسى هيس «أن البشرية بحكم تكوينها العضوي عاجزة عن التقدم بدون اليهود» (25). أما يهودا لايب بنسكر المعروف باسم ليوبنسكر Leo Pinsker (1812 ـ 1891)، وهو طبيب مفكر يهودي من أصل روسي، فقد عرف اللاسامية بأنها مرض موروث لدى شعوب العالم، وأن كراهية الشعوب لليهود مسألة نفسية: «إن اللاسامية مرض لا يمكن علاجه. لأنه ينتقل من الأب إلى الابن، وإن التقدم الاجتماعي مهما عظم لن يقتلعه إلا إذا تغير وضع اليهود جذرياً» (26). وبالغ حاييم وايزمن Chaim Weizmann (1874 ـ 1952) في آرائه وقال إن اللاسامية مسألة نفسية، وهي باقية ما دام اليهود موجودين (27).‏

المذابح في روسيا وموقف الصهيونية منها..‏

عرفت المذابح التي وقعت ضد اليهود في روسيا القيصرية بـPogroms ومن يبحث عن معنى هذه الكلمة في أي معجم سيقرأ مايلي:‏

«إنها القتل المنظم للناس البائسين، وبالتحديد، قتل اليهود» هذا ما يقوله قاموس Webester. أما قاموس Longman فيقول «إنها القتل المنهجي لأعداد كبيرة من الناس، خصوصاً اليهود، يجري تنفيذه على أساس العرق أو الدين». وعندما تطلق هذه التسمية على هذا النوع من الجرائم ضد البشرية، فالمقصود منها أن تثبت في وعي الناس كي لا تنسى.‏

ولدى مراجعة مؤلفات كبار الكتاب الصهاينة من أصل روسي أو الذين عاشوا في روسيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أو مطلع القرن العشرين نجد إشارات كثيرة لهذه المذابح. لكن الغريب في الأمر والذي يدهشنا أن قادة الصهاينة لا يدعون اليهود للتمرد أو الاشتراك في الحركات الثورية المعادية للقيصر، بل يستغلون هذه المذابح لتحريض اليهود وتشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين، وإليكم بعض الأمثلة:‏

1ـ الحاخام زفي هيرتس كاليشر. Rebbi Zvi H Kalisher (1795 ـ 1874) وهو كاتب بولوني الأصل عاش في روسيا، وكانت الأخيرة في تلك الفترة تحتل بولونيا. لم يتطرق الكاتب المذكور إلى المجازر في كتابه «السعي إلى صهيون» Derishat Zion، بل كرس الديانة اليهودية لتشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين، واعداً بأن الله سوف يعجل يوم الخلاص المرتقب حين يرى إقبالهم على الذهاب إلى فلسطين وتطوعهم للاستيطان فيها. «وما الاستيطان في فلسطين واستعمارها سوى ذلك العمل الذي يتيح لنا مراعاة الوصايا الدينية المتعلقة بالعمل في الأرض هناك» (28).‏

2ـ بيرتز سمولنسكين Peretz Smolenskin (1842 ـ 1885) وهو روائي وداعية صهيوني، فقد والده في المذابح وأّخذ أخوه للخدمة في جيش القيصر ولم يعد، وقد شهد أكثر المذابح بشاعة. من أشهر كتبه «المتجول في سبل الحياة» الذي يدعو فيه للهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها، إذ يرى أن العدو الأول لليهود في العالم هو حركة التنوير اليهودية «الهاسكالا» التي دعت لاندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها.‏

وفي عام 1881 نشر كتابه المعروف «لنبحث عن طرقنا» وفيه يصف المذابح ضد اليهود لكن الحل الذي يدعو إليه هو الحصول على موافقة الحكومة الروسية على الهجرة إلى فلسطين:‏

«نزلت المصيبة تلو المصيبة، والكارثة تلو الأخرى على يهود روسيا، ولم يترك حجر على حجر في كثير من المجتمعات. لقد نهبت متاجر أخوتنا، وحطم الرعاع كل شيء لا يستطيعون حمله، وقتل يهود كثيرون، كما جرح عدد لا يحصى. وكان الرعاع المتوحشون كالذئاب التي تبحث عن فريستها يعاملون اليهود بقسوة بالغة، لا مثيل لها منذ العصور الوسطى، حتى في تلك المدن التي يسمح لليهود بالعيش فيها، كانوا يسجنون ويتركون كي يموتوا جوعاً. ولم يستطع أصحاب الصناعة منهم أن يكسبوا غير عيشة البؤس... عمل اليهود كل جهدهم... وما زالوا يعيشون في رعب، فقد تبدأ المذابح ثانية... لماذا لا نهاجر إذا سمحت لنا الحكومة؟ لا مكان يمكن التفكير فيه سوى إسرائيل». (29).‏

ومن المعروف أن النظام القيصري الروسي أصدر عام 1881 أوامر حدد بموجبها المدن التي يسمح للعامة من اليهود العيش فيها. ووضع أيضاً حلاً للمسألة اليهودية وذلك عن طريق تحويلهم إلى المسيحية أو تهجيرهم. وأصدر القيصر ألكسندر الأول قرارات أجبرت اليهود على ترك مهن معينة ليتحولوا إلى الزراعة.‏

3ـ اليعيزر بن يهوذا Eliezer Ben Yehudah (1858 ـ 1923) يهودي من ليتوانيا، وكانت تابعة للسيادة الروسية. لم يتطرق في كتاباته إلى اللاسامية الروسية، بصدد المذابح ضد اليهود، بل اكتفى بالدعوة إلى الهجرة إلى فلسطين.‏

4ـ موشيه لايب ليلنبلوم ـ Moshe leib lilienblum (1843 ـ 1910) من أشهر كتبه «طريق العودة» الذي يقدم فيه وصفاً مفصلاً وتاريخياً للأحداث يوماً بعد يوم. وهذا مثال:‏

«في 20 آذار (مارس) 1881 قالت المجلات المحلية إن جماهير الشعب تستعد لمهاجمة اليهود خلال عطلة عيد الفصح. ويبدو أن أعداء السامية غير مكتفين بالمجاعة التي تفتك باليهود في أماكن سكنهم المخصصة لهم، فهم يحرضون الجماهير على السلب والنهب.‏

في 17 نيسان (أبريل) 1881 تقارير خطيرة من مدينة اليزابيتجراد، مظاهرات ونهب وهلع يسيطر على القلوب.‏

وفي 28 نيسان (أبريل)، بدأت الأنباء السيئة تصل من كييف. وفي 5 أيار (مايو) 1881، الحالة مخيفة، نحن في الحقيقة، محاصرون، أحيطت الساحات بالقضبان، ونحن ننظر من خلال الحواجز إذا كان الرعاع سيهاجمون.‏

وفي 7 أيار (مايو)، اقتربت المظاهرات من البيت، صرخت النساء، وهن يحتضن أطفالهن إلى صدورهن محاولات الاختباء، وقف الرجال جانباً مذهولين».‏

ترى كيف يرى ليلنبلوم الخلاص من هذا الوضع الرهيب. «إن الخلاص هو خدمة القومية اليهودية... من أراد أن يساند القومية اليهودية عليه أن يدفع كوبيكاً واحداً أسبوعياً في صندوق مخصص في كل بيت من أجل الاستيطان في أرض إسرائيل» (30).‏

5ـ يهودا لايب بنسكر 1821 ـ 1891 معروف باسم ليو بنسكر Leo Pinsker، مؤلف كتاب «التحرر الذاتي»«Auto Emancipation» شهد كل المذابح التي وقعت ضد اليهود في روسيا ما بين 1871 و1882، لم يهتم إلا بحقيقة واحدة وهي هجرة اليهود الروس إلى فلسطين.‏

«اليهود بمنزلة الضيوف في كل مكان، وليسوا أصحاب منزل خاص بهم، العداء للسسامية يسود العالم أجمع... وحده الخوف من اليهودي... هذا الخوف أصبح مرضاً نفسياً توارثه الناس عبر ألفي عام ولا أمل بشفائهم «العلاج الوحيد الذي يؤمن به هو جمع المال للاستيطان في فلسطين» (31).‏

بعد الأدلة الواضحة التي سقناها، نستطيع القول إن قادة الحركة الصهيونية استغلوا ما يسمى بالمحرقة التي كان اليهود يعيشونها، لتربية اليهود على الخوف الدائم وعدم الاستقرار والشعور بالأمان في ظل التهديد الدائم بالإبادة، من جهة، ودفعوا اليهود للهرب من روسيا والهجرة إلى فلسطين تحقيقاً لأهداف المشروع الصهيوني. لكنهم وبالشكل الملموس منعوا اليهود من الدفاع عن أنفسهم، التحالف مع أصدقائهم الطبيعيين وحلفائهم المعادين للقيصر، وبالتالي قدموا خدمة جليلة للسلطات الروسية. وبعد انعقاد مؤتمر بال 1897، بات واضحاً أن ثمة تحالف يقوى ويتعزز بين تيودور هرتزل والسلطات القيصرية الروسية وهذا ما سنتطرق إليه الآن.‏

هرتزل وكارثة اليهود الروس‏

في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الروسية القيصرية تفرض القيود على حركة اليهود وتحدد أماكن سكنهم والأعمال التي يحق لهم ممارستها، كانت القيادة الصهيونية تقيم أوثق العلاقات وأشدها متانة مع منظمي ما يسمى بالمذابح ضد اليهود، وخصوصاً وزير الداخلية فاتسلاف فون بيلفي. وصل هرتزل إلى روسيا في آذار (مارس) 1896. الهدف الأساسي من زيارته كان البحث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الحركة الصهيونية والحكومة الروسية القيصرية. فتكون هذه الاتفاقية منسجمة مع مخاوف السلطات القيصرية من حالة عدم الاستقرار السياسي داخل الأراضي الروسية، وفي الوقت نفسه تؤدي إلى زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومساعدة روسيا الحركة الصهيونية بالضغط على السلطات العثمانية لإعطاء الحركة الصهيونية ترخيصاً بالهجرة اليهودية إلى فلسطين. وقد لمح تيودور هرتزل أثناء المباحثات مع وزير الداخلية الروسي: «إنه في حال عدم توسط القيصر الروسي لدى السلطان العثماني من أجل السماح بهجرة يهودية منظمة إلى فلسطين، فإن الحركة الصهيونية لا تستطيع منع الكارثة المتمثلة في تحول اليهود الروس إلى تبني الأفكار الثورية الهدامة»(32). (لاحظ أن الكارثة بالنسبة لهرتزل ليست المذابح ضد اليهود بل تحولهم إلى الأفكار الهدامة!).‏

وفي كتاب طلب المقابلة مع القيصر الروسي، قال ثيودور هرتزل:‏

«إن حركتنا تهدف إلى إضعاف الأحزاب الثورية، فنحن اليوم نحارب الثوريين في كل مكان، كما نعمل على إبعاد الطلاب والعمال اليهود عن الاشتراكية الفوضوية وذلك بتعريفهم على فكرة قومية مثالية ونقية»(33).‏

وفي 4/3/1896 كتب ثيودور هرتزل في مذكراته:‏

«إن أكثر المناصرين حماسة هو عدو السامية البطرسبرجي إيفان سيرجي فيته وزير المالية الروسي الذي كان يقول للقيصر الروسي المسكين ألكسندر الثالث: لو كان من الممكن أن تغرق في البحر الأسود ستة أو سبعة ملايين يهودي لرضيت بذلك، لكن هذا غير ممكن، إذ ينبغي تركهم يعيشون».‏

وعندما كان هرتزل يقول أنه ينتظر من الحكومة الروسية بعض التشجيع، كان الوزير الروسي يجيب: «وهل نقوم بتشجيع اليهود على الهجرة بركلهم مثلاً» ويختم هرتزل هذه الفقرة في مذكراته قائلاً: «يعترضون علي بشكل معقول بأنني ألعب لعبة أعداء السامية.. كأن أعداء السامية على حق ونحن لا نحسدهم على ذلك، لأننا أيضاً سنكون سعداء»(34).‏

وفي عام 1903 حصل ثيودور هرتزل على موافقة وزير الداخلية الروسي بيليفي على التعاون بين الطرفين الروسي والصهيوني لخفض عدد السكان اليهود في روسيا ـ فدشن بذلك تقليداً مشؤوماً على اليهود في كل أنحاء العالم سيتم اتباعه وتقليده لاحقاً إذ تحصل الصهيونية على عشرات الآلاف من المهاجرين إلى فلسطين مقابل موت مئات الآلاف منهم في السجون ومعسكرات الاعتقال(35).‏

الخلاصة:‏

لم تدخر الحركة الصهيونية جهداً في نشر الأحاديث والأخبار عن المذابح ضد اليهود في روسيا بهدف زرع الخوف وذهنية الكارثة بين اليهود لدفعهم للهجرة إلى فلسطين، وقد تعاونت في سبيل ذلك مع منظمي المذابح ضد اليهود وخصوصاً وزير الداخلية الروسي بيليفي. وإذا كان البحث قد اقتصر على الإشارة إلى الأحداث الجارية في روسيا، فهذا لا يعني أننا نتجاهل الأحداث ضد اليهود في أماكن أخرى، علماً أن موقف الحركة الصهيونية منها كان مشابهاً تماماً، والأمثلة على ذلك كثيرة ومن أهمها ما جرى لليهود في بولونيا، لكن التركيز على بلد واحد يهدف إلى إلقاء الضوء على الفلسفة المنهجية لدى الحركة الصهيونية في هذا المجال، آخذين في الحسبان حجم البحث. وإلا سيتحول إلى كتاب.‏

المرحلة الثانية ..‏

قبل الدخول في صلب البحث، لابد من توضيح قضية مهمة ومبدئية بالنسبة لي، وهي أنني لن أخوض في الجدل التاريخي الدائر منذ فترة ليست بالقصيرة، حول ما إذا كان هتلر قد قتل ستة ملايين يهودي أم لا. فجرائم هتلر ضد البشرية لا تحصى ويكفي أن حربه المجنونة، الحرب العالمية الثانية، أزهقت أربعين مليون نفس بشرية. وضحايا هتلر كانوا من كل الأعراق والأديان والأمم. وعداؤه الظاهري ضد اليهود لا يخفي إطلاقاً احتقاره العنصري للعرب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا نشك أن اليهود الذين قتلهم هتلر، وأولئك الذين هجروا من أوطانهم إلى فلسطين وغيرها من بلدان العالم، كانوا ضحايا تعاون مشترك وحلف غير مقدس بين النازية والصهيونية، وأصبحت الآن كل أوراقه مكشوفة منذ نشر كلاوديوس بوكلنه بحثه الشهير «العلاقات السرية بين النازية والصهيونية 1933 ـ 1941» وقد ترجمت هذا البحث عام 1977 وصدر في بيروت، وفي عام 1978 أصدر الأستاذ كلوب فارس كتابه المعروف عن العلاقات بين النازية والصهيونية، وقد صدر عن مركز الأبحاث الفلسطينية في بيروت، وفي أواخر السبعينيات، تناول السيد محمود عباس الموضوع نفسه، في كتابه «الصهيونية» ومن ثم قدم لنا الأستاذ الدكتور محجوب عمر ترجمة رائعة لكتاب ليني برينر «الصهيونية في زمن الديكتاتورية ـ التاريخ الموثق لعلاقات الصهيونية بالفاشية والنازية» وهو صادر عن مؤسسة الأبحاث العربية في بيروت. ولذلك سيقتصر هذا الجزء من الدراسة على نقاط أربع:‏

أ ـ تعريف المحرقة THE HOLOCAUST.‏

ب ـ موقف الصهيونية من صعود النازية والفاشية.‏

ج ـ موقف الصهيونية من معسكرات الاعتقال ـ بعض الشهادات اليهودية.‏

د ـ شهادات وآراء يهودية حول ما يعرف بفرن الغاز.‏

أ ـ التعريف:‏

تعرف كلمة المحرقة في اللغات الأوروبية، خصوصاً الإنكليزية والفرنسية بالقدر الذي تسمح به معرفتي ب THE HOLOCAUST. ومن يطالع قاموس لاروس الشهير يقرأ ما يلي:‏

«المحرقة هي الحرق كلياً بالنار، التضحية، خصوصاً لدى اليهود، حينما تكون الضحية في وضع تلتهمها النار بشكل تام. النبي إبراهيم قدم ابنه للمحرقة، كقربان وكضحية»(36).‏

أما في اللغة الإنكليزية فيطالعك المعنى الثاني:‏

«الإحراق كلياً بالنار، التدمير بالنار، كلياً،.. قتل ملايين اليهود من قبل النازية خلال الثلاثينيات والأربعينيات»(37).‏

وبغض النظر عن القضايا الإشكالية التي تثيرها التعاريف المذكورة أعلاه، سواء تلك المتعلقة بالعادات الدينية اليهودية القديمة، أو تلك المتعلقة بالنبي إبراهيم، وما ورد بصدد تضحيته بابنه عن طريق الذبح لا الحرق، وأخيراً لماذا استغل تعبير المحرقة؟ أبسبب دلالاته الماضوية أم بسبب أشياء أخرى؟(38) بغض النظر عن كل ذلك، لابد من القول إنه من الصعب على باحث أن يعدد الطرق التي تروي فيها قصص الكارثة ـ المحرقة ـ كيف تزرع في أذهان اليهود وخصوصاً الناشئة منهم فبالإضافة إلى الكتب المدرسية، الأحاديث السياسية، الزيارات التي يفرض على الطلاب في كل المراحل القيام بها إلى ما يعرف بصرح الكارثة ـ يادفاشيم ـ الذي يحتوي بين جدرانه صوراً لمعسكرات الاعتقال، هناك الأفلام السينمائية(39) المسلسلات التلفازية، الحكايات التي تروى في السهرات المنزلية. وباختصار، جعلت «المحرقة، إحدى ركيزتين يقوم عليهما الدين الأمني الإسرائيلي في الوقت الراهن، فيما تعد المساداة، الركيزة الثانية، والمساداة، هي الاسم العبري لكلمة مسعدة، وهي بلدة يهودية قديمة على شاطئ البحر الميت يقال: إن سكانها اليهود انتحروا بشكل جماعي كي لا يستسلموا للرومان.‏

ومهما يكن، فقد اختلفت المصادر الصهيونية في تقدير عدد اليهود الذين قتلوا على أيدي النازيين. فقد جاء في كتاب اللورد راسل من ليفربول، المملكة المتحدة، «الصليب المعكوف والعاقبة الوخيمة» أن عددهم لا يقل عن خمسة ملايين(40). والرقم الذي أعدته اللجنة اليهودية المشتركة هو 5.012.000 (41). وتقول مصادر الوكالة اليهودية إن العدد هو ستة ملايين يهودي. (42) ويقدر الدكتور بيرتس فايغ، مندوب يهود نيويورك إلى المؤتمر اليهودي العالمي، أن عدد ضحايا النازية حوالي سبعة ملايين يهودي (43). وعندما رفعت قضية مطالبة إسرائيل بالتعويضات من ألمانيا الغربية، بلغ عدد المطالبين بتلك التعويضات نحو 3.375.000 (44). ومن جهته يقول المركز العالمي للوثائق اليهودية أن عددهم لا يزيد عن 1.485.292 يهودي، ووفق المركز فإن هذا الرقم يشمل كل اليهود الذين قتلوا في الأعمال الحربية خلال الحرب العالمية الثانية. وأخيراً يقول الصليب الأحمر أن عدد اليهود الذين ماتوا في المعتقلات النازية قليل جداً، لأن الرقم الإجمالي لضحايا الاضطهاد النازي المباشر من اليهود وغير اليهود في السجون والمعتقلات النازية، لا يزيد عن 300 ألف شخص(45).‏

وكما استفادت الحركة الصهيونية من صعود النازية لزيادة المهاجرين اليهود إلى فلسطين، واستفادت من الكارثة للحصول على التعويضات من ألمانيا الغربية في مطلع الستينيات، فقد استفادت أيضاً من هذه الكارثة، في إجبار المصارف السويسرية على دفع التعويضات عن الأموال التي كان ضحايا النازية يودعونها في المصارف الألمانية قبل تحويل تلك الأموال إلى المصارف السويسرية.‏

ب ـ كيف نظرت الصهيونية إلى النازية‏

عندما صعدت النازية في ألمانيا وتسلمت الحكم، رأت المنظمة الصهيونية العالمية «إن الوقت قد حان لاستغلال الحقد على اليهود لبناء الدولة اليهودية في فلسطين». حسب تعبير ميخائيل بار ـ زوهر، كاتب سيرة بن غوريون في كتابه بن غوريون «النبي المسلح». ويضيف بار ـ زوهر، بأن رغبة هتلر التقت مع المنظمة الصهيونية العالمية في إخراج يهود ألمانيا. وقد وضع حاييم «أور لوزروف»، رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية مشروعاً لإنشاء مصرف تصفية اليهود في ألمانيا ونقلهم إلى فلسطين المحتلة وذلك بالتعاون بين بريطانيا وألمانيا وإيطاليا(46). وهدف المشروع توجيه ثروات اليهود إلى فلسطين وبالتدريج. وقد سافر حاييم أولوزوروف إلى ألمانيا في 14/6/1933 للتفاوض مع النازيين لتنفيذ هذا المشروع.‏

وفي كانون الأول 1933 طلب حاييم وايزمان السماح له بالسفر إلى ألمانيا لتطوير الاتفاق الذي وقعه حاييم «أورلوزروف». وقد جاءت اتفاقية هاعفارا بين ألمانيا النازية والمنظمة الصهيونية العالمية لتنظيم التعاون المشترك بين الطرفين. وبموجب هذه الاتفاقية تم تدريب فصائل للحركة الصهيونية في ألمانيا وسمح لهم بأن يتجولوا بلباسهم الرسمي وأسلحتهم. وقد كشفت الوثائق أن ليفي أشكول قد عمل في المكتب الزراعي في برلين التابع للحركة الصهيونية فترة طويلة خلال الحرب العالمية الثانية. وقد كشفت أيضاً محاكمات ايخمان وكاستنر، والوثائق التي عرضتها لجنة الرأي العام السوفياتي لمناهضة الصهيونية الشيء الكثير من أسرار تعاون النازيين والصهاينة(47).‏

ومن جهة أخرى يقول الكاتب الأميركي المعروف ألفريد ليلينتال في كتابه «الجانب الآخر للميدالية THE OTHER SIDE OF THE MEDAL عن موقف قادة الحركة الصهيونية من صعود النازية إلى الحكم في ألمانيا» «كان الصهاينة في الأشهر الأولى من حياة النظام الهتلري يعتبرون هتلر الممثل الوحيد لليهود، وكانوا على اتصال وثيق بالسلطات الألمانية، وقد استغلوا وضعهم من أجل تشويه سمعة اليهود، أعداء الصهيونية، وكانت النتيجة توصل الطرفين إلى اتفاق بين الوكالة اليهودية وبين السلطات النازية بحيث تدعم السلطات النازية الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مقابل زيادة تعاون الوكالة اليهودية مع الغستابو (48).‏

وبما أننا لن نناقش المصادر الكثيرة التي رصدت التعاون بين النازية والصهيونية، سأكتفي بإيراد مؤشرات بسيطة جداً.‏

* في عام 1933، وصل إلى ألمانيا رئيس قسم الوكالة اليهودية أرلوزاروف، وأسس في برلين المكتب الفلسطيني لاستيطان فلسطين، وفي هذا المكتب كان يوجد قسم زراعي يرأسه ليفي أشكول، رئيس وزراء إسرائيل إبان عدوان حزيران (يونيو) 1967 (49).‏

* في عام 1933، نشرت صحيفة تيشرنوفو فيتشر اليغماني تسايتونغ، مقالاً بعنوان «مصير اليهود» برر فيه كاتبه، ما تفريد رايفير، عضو الوكالة اليهودية، ونائب صهيوني سابق في برلمان رومانيا سياسة هتلر، وعدها شيئاً طبيعياً كان اليهود سببه. وقال الكاتب. «عليهم أن يتحلوا بالصبر، ويعتادوا على فكرة أن الجميع لن يستطيعوا النجاة، علينا أن نفهم مجرى التاريخ، حتى ولو كان هذا الطريق مضرجاً بالدم اليهودي. إن المختارين وحدهم يستطيعون النجاة، والمختارون هم من يؤمنون بالصهيونية»(50).‏

وسيكشف التاريخ لاحقاً أن الصهاينة سلموا الضعفاء من اليهود، الشيوخ من النساء، والرجال، والمرضى، والفقراء لمعسكرات الاعتقال النازية، مقابل سماح سلطات هتلر بتهجير الشباب اليهود إلى فلسطين.‏

* في عام 1937 أعلن البارون فون ميلديشتين الموافقة على تأسيس معسكرات إعادة التدريب والتأهيل. وكانت هذه المعسكرات في الواقع تستخدم لتدريب العناصر الصهيونية على استخدام الأسلحة، ويسمح لأفرادها التجول بأسلحتهم في كل أرجاء ألمانيا في الفترة التي فرضت السلطات الألمانية النازية على اليهود وضع إشارات خاصة على ملابسهم(51).‏

* فيما بين عامي 1937 ـ 1938 تبلورت خطة النازية لتهجير 600 ألف يهودي إلى فلسطين بالتعاون والتواطؤ مع كل من الحركة الصهيونية وبريطانيا، لأنها السلطة الانتدابية. وقد وقعت هذه الخطة بين رئيس البنك الألماني شاخت ومدير البنك الإنكليزي مونتغو نورمان. وفي 5/2/1939 شكلت هيئة مركزية للإشراف على عملية التهجير اليهودية، وبدءاً من 10/7/1939، بدأت السلطات النازية بإطلاق سراح الشبان اليهود من معسكرات الاعتقال من داخو بوفينغالد، ولكن جميع من أطلق سراحهم أمروا بمغادرة الرايخ الثالث خلال أسابيع تاركين أملاكهم وراءهم، ولم يسمح لهم بحمل أية أمتعة أو مبالغ نقدية كبيرة أو مجوهرات. وبعد ذلك أصبح بإمكان المهاجرين اليهود حمل قيمة ربع أملاكهم(52).‏

وفي هذه الأثناء، كانت الحاخامية اليهودية تكيل المدائح للنازيين. فقد أعلن الحاخام الدكتور واينبرغ، حاخام فيينا أن اليهود المتدينين يعرفون أن هتلر يستحق الشكر العظيم لأنه يناضل ضد الشيوعية والاتحاد السوفييتي. وفي لندن، كانت الحاخامية اليهودية في بريطانيا ترفض مهاجمة هتلر، بل إن الوكالة اليهودية ذاتها أصدرت أول بيان لها عن المذابح ضد اليهود في ألمانيا في كانون الأول 1942، أي بعد سنوات من بدء ارتكاب المجازر ضدهم، وفي كثير من الحالات كانت الوكالة اليهودية والصحف الصهيونية في فلسطين ولندن تقول إن الأنباء الواردة عن المجزرة مختلقة وإنها دعاية سوفييتية (53).‏

ومن جهة أخرى كان الإرهابي فلاديمير زئيف جابوتنسكي الأب الروحي لحركة حيروت الحالية يقيم أوثق العلاقات مع الفاشية الإيطالية، وتحول جابوتنسكي إلى داعية لموسوليني في العالم بأسره. وطالب جابوتنسكي بوضع فلسطين تحت الانتداب الإيطالي، وأيد الغزو الإيطالي لأثيوبيا مدعياً أن الاستعمار الأوروبي لا يستغل شعوب العالم، بل يساعدها(54). وعندما منعت سلطات الانتداب البريطاني جابوتنسكي من القدوم إلى فلسطين في آب 1933، شكل أتباع جابوتنسكي في فلسطين الذين كانوا يصدرون صحيفة (Chazit Ha, am) اتحاد الإرهابيين. وبدأت الصحيفة المذكورة تنشر زاوية يومية تحت اسم مذكرات فاشي. أما موسوليني فقد أنشأ في عام 1934 فصيلاً لحركة بيتار التي يتزعمها جابوتنسكي، وقد تدرب الفصيل الصهيوني في المدرسة العسكرية الفاشية، وقد ضم 134 طالباً، وهم يرتدون قمصانهم البنية، وفي عام 1936 أقامت الوحدات العسكرية الصهيونية التابعة لجابوتنسكي استعراضاً عسكرياً في روما حضره واحد من أكبر قادة موسوليني العسكريين اسمه دوس الثاني. وفي عام 1925 أعلن موسوليني أمام حاخام روما ديفيد براتور: «حتى تنجح الصهيونية، تحتاجون إلى دولة يهودية وعلم يهودي ولغة يهودية، والشخص الذي يفهم هذا حقاً هو الفاشي جابوتنسكي(55)».‏

ج ـ شهادات من معسكرات الاعتقال النازية‏

سأورد فيما يلي شهادتين للبروفيسور برونو بتلهايمBruno Bettelheim، من مواليد فيينا 1903 وهو يهودي ومن أبرز علماء النفس خلال عقد السبعينيات أمضى سنوات عدة في معسكرات الاعتقال في داخو «Dachau» ومعسكر بوفينغالد، Buchen wald، وفي عام 1939 تمكنت أسرته من دفع فدية له وهاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية.‏

الشهادة الأولى وتتحدث كيف ساعدت النازية الصهيونية(56).‏

«قبل الحرب، اعتقل عدد لا بأس به من اليهود ووضعوا في السجون، في معسكرات الاعتقال، وجرى هذا لإرهاب اليهود كل اليهود، لكي يهاجروا مباشرة تاركين وراءهم كل أملاكهم. وبالشكل العملي نفذ ذلك من كان في وضع نفسي يسمح له أن يتأمل فكرة ترك كل أملاكه ويبدأ حياة جديدة في بلد أجنبي، وكذلك من كانت عنده القوة لتنظيم مثل هذه الحركة، أو أن يطلب من الآخرين تنظيمها لمصلحته، رغم أنه في معظم الأحيان، كانت البلدان التي سوف تقبل استقبالهم ليست هي التي اختاروها أو كانوا يريدونها. وكان من السهل تنظيم تهجير اليهود إلى فلسطين، وفي معظم الأحيان رغماً عنهم».‏

والشهادة الثانية تتحدث عن نوعية الأشخاص الذين كانت السلطات الألمانية تطلق سراحهم من المعتقلات النازية(57).‏

«حتى وقت اندلاع الحرب تقريباً، مرة في الأسبوع، وفي بعض الأحيان في كل أيام الأسبوع، كان بعض السجناء اليهود يطلق سراحهم. إذا قدموا كل أملاكهم، إضافة إلى مبالغ كبيرة كان يدفعها أقاربهم للسلطات النازية، وإضافة إلى ذلك تعهدوا بمغادرة الأراضي الألمانية فوراً. وهذه الشروط لن تنطبق علي، وقد استمرت شهور عدة قبل أن يطلق سراحي، وبالطريقة ذاتها، وخلال هذه السنة أطلق سراح الكثير من السجناء اليهود، نسبياً، وكان ثمة من يقول داخل السجن إنه توجد طريقتان للخروج من معسكر الاعتقال، الأولى وقدما السجين إلى الأمام، أي وهو ميت، والثانية أن يكون يهودياً»(58).‏

لن أعلق على هاتين الشهادتين، ففهيما من الوضوح والدلالة ما يغني عن كل تعليق، لكن الكاتب كشاهد عيان يقول إنه من أصل 30 ألف سجين في المعسكر كان يوجد 500 يهودي.‏

د. شهادات بشأن أفران الغاز: سأورد فيما يلي ملخصاً لشهادة يغال لوسين منتج مسلسل «عمود النار» الذي قام التلفاز الإسرائيلي ببثه في النصف الأول من عام 1981 وعلى مدار 19 حلقة تحدثت عن تطور المشروع الصهيوني في فلسطين.‏

«عندما قمت ببحث خلفية الكارثة في ألمانيا تعلمت أشياء كثيرة، وقررت توجيه كل جهدي للعثور على أفلام سينمائية عن الكارثة من الأرشيف التابع لمؤسسة معسكرات الاعتقال في كيبوتس لوهيم هيغاؤوت» لأن تلك المؤسسة قامت ببحث شامل للموضوع وأنتجت فيلم «الضربة الحادية والثمانين» بالتعاون مع الشاعر حاييم غوري، وكانت المؤسسة على استعداد لتزويدنا بالمواد السينمائية المتوافرة لديها.. وبعد أن فرغنا من العمل، اطلع عليه البروفيسور باور وقال: لا تلمسوا هذا الفيلم ولا تعرضوه أبداً. فسألناه: لماذا؟ فقال لأن جميع الباحثين لم يعثروا حتى الآن على أي فيلم وثائقي للكارثة.. لقد وافقت الدكتور باور على رأيه، ولكنني أبلغته أنني سأحاول إيجاد براهين تؤكد وجود غرف غاز، وبعد ذلك يئست من إمكانية العثور على مثل هذه البراهين، لقد كنت شخصياً في أوشفيتس، ولم أشاهد هناك غرف غاز.‏

لقد أرسلنا الدكتور باور إلى الدكتور كولكه المسؤول عن مؤسسة ياد فاشيم، وقمنا بالتفتيش عن الصور التي نسعى للحصول عليها، ولكننا لم نعثر على شيء (59).‏

الخاتمة...‏

رغم أحاديث الصهيونية عن النازية والكارثة التي ألحقتها باليهود، هل يعقل أن تجد من بين الصهاينة من يمتدح النازية؟! للوهلة الأولى الجواب هو بالنفي. لكن الوقائع تقول غير ذلك. في كتابه الصادر عام 1972 بعنوان «كل شيء لألمانيا وطنية اليهود، الألمان والاشتراكية القومية. يقول البروفيسور شيبس إن الذنب هو ذنب اليهود أنفسهم، والكثيرون منهم كانوا أنصاراً بارزين للحركة الشيوعية والاشتراكية»(60).‏

وثمة كاتب صهيوني آخر، هو يوري هراري، يكتب في صحيفة يديعوت أحرونوت، في 9/2/1968 بنوع من الشماتة من اليهود الذين قتلتهم النازية ويحملهم مسؤولية الكارثة:‏

«عندما نسمع بمذابح تدبر ضد اليهود نتساءل أين كانوا؟ لماذا لم يهاجروا؟، ولكن في أعماقنا ينبعث شعور شرير بالفرح «إنهم يستحقون ذلك. لقد حذرناهم» (61).‏

وأخيراً لنقرأ ما يقوله بن غوريون:‏

«لو أنني أعرف أنه من الممكن إنقاذ كل الأطفال اليهود في ألمانيا بإحضارهم إلى إنكلترا، أو إنقاذ نصفهم فقط بنقلهم إلى أرض إسرائيل، لكنت اخترت البديل الثاني فقط»(62).‏

بعد هذا الذي قلناه، هل يمكن التمييز بين عداوة الصهيونية لليهود وعداوة النازية لهم؟‏

المرحلة الثالثة..‏

بعد قيام إسرائيل عام 1948. مزجت الصهيونية وقادة إسرائيل بين العداء للسامية، بالمفهوم الصهيوني المعروف، وعقدة الهلوكوست «المحرقة» وأضافت إليهما عنصراً جديداً هو عقدة المساداة أو الإبادة الجماعية وصنعت من هذا المزيج ما يعرف بالأدبيات الإسرائيلية بالدين الأمني، الذي يصبح قيمة بحد ذاته، وفوق كل القيم الأخرى، وبموجبه تتم عسكرة المجتمع والأدب والتعليم والاقتصاد والقوى البشرية، وتصبح الحرب بالنسبة للإنسان في إسرائيل هي شيء من القضاء والقدر، لا علاقة لقيادته بها. ولا يمكن تفاديها، وهكذا يصبح الجيش الإسرائيلي مقدساً وجنرالاته يتحولون إلى حراس المعبد وكهنته، إليهم تقدم التبريكات والصلوات(63). أما المؤسسة الدينية، بشقيها الحاخامية العامة، والحاخامية العسكرية فينحصر موقفها في دعم المؤسسة العسكرية وتقديم التغطية الدينية، على شكل فتاوي، لتسويغ كل أعمال القتل التي ترتكب ضد العرب.‏

أهم مرتكزات الدين الأمني‏

1ـ تمجيد الحرب، بحد ذاتها، بغض النظر عن أهدافها ومسوغاتها.‏

يقول الكاتب الإسرائيلي دان شيفتاي. في صحيفة هآرتس في 9/10/1973: «إن المقصود بالحرب هو إعطاء التنفس والتخفيف من حدة المشاعر بالخيبة والعجز.. إن مجرد شن حرب مهما كانت نتائجها هو عمل بطولي يطهر الشعب من عاره»(64).‏

2ـ تحويل الحرب إلى الظاهرة السائدة، والوحيدة في حياة المجتمع في إسرائيل، التي على أساسها يتم تقسيم فترات التاريخ وأحداثه. لنستمع إلى ما تقوله البروفيسورة عاميا ليبليخ أستاذ علم النفس الإسرائيلية حول هذه الظاهرة الفريدة التي لا مثيل لها في العالم:‏

«الحرب في إسرائيل جزء من الماضي والحاضر والمستقبل. إن الأسئلة المعتادة في حياتنا هي: ما هو الوقت المتبقي حتى الحرب القادمة»؟.. إن التعايش مع الحرب أي الحياة حتى خط النهاية.. كان ولا يزال جزءاً من حياتنا.. لقد أصبحت الحرب نتيجة لذلك بمنزلة المحور الذي تتحرك إسرائيل وفقاً له في كل المجالات، ويتم تقسيم التاريخ الأدبي والفكري والاقتصادي نسبة للحروب.‏

3ـ التقليل من أهمية السلام مع العرب، إن لم يكن السخرية منه: وهذا لا يمنع قادة إسرائيل والصهيونية من الكلام المعسول عن السلام سواء للخداع أو للتغطية على استعدادات لاعتداءات جديدة. إليكم ما يقوله بن غورويون: «إن أسوأ مقلب يمكن أن يفاجئنا به العرب هو أن يوافقوا على عقد الصلح»(65).‏

ومن يقرأ كتاب موشي ماعوز «السلام مع سورية ونهاية الصراع العربي ـ الإسرائيلي يدرك لماذا رفضت إسرائيل توقيع اتفاقيات سلام مع أكثر من بلد عربي. في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات.‏

ومن يعرف بن غوريون وتلامذته من قادة إسرائيل يدرك أن ثمة عوامل عديدة، تدفع بن غوريون لإصدار هذا الحكم ومنها:‏

أ ـ رفض بن غوريون تحول إسرائيل إلى دولة شرق أوسطية، واحتقار بن غوريون العرب، والثقافة العربية الشرق أوسطية التي يحملها اليهود القادمون من البلدان العربية والشرق أوسطية.‏

ب ـ حرص إسرائيل على الحفاظ على دور إسرائيل في المنطقة، وإبقائها دائماً على استعداد وفي حالة جاهزية تامة للقيام بالحروب بالإنابة، أو ما يعرف بالحروب ضد العرب بالتعاقد مع دول أخرى، تكون تكاليف هذه الحرب وأرباحها مدفوعة سلفاً.‏

وفي هذه الأيام باتت وثائق حربي 1956 و1967 مكشوفة تماماً للقاصي والداني، وبسهولة يمكن لأي متتبع أو دارس استخلاص العبر، بل ورؤية المساومات بين إسرائيل ومن تعاقدت معهم لشن هذه الحروب. ومن يدرس زيارة مناحيم بيغن إلى الولايات المتحدة في حزيران (يونيو) 1982، والمفاوضات التي أجراها مع الإدارة الأميركية في عهد الرئيس رونالد ريغان، وخصوصاً وزير خارجيته الكسندر هيغ، وردود بيغن على بعض أعضاء الكونغرس الأميركي الذين جاهروا بانتقاد بيغن، يكتشف بسرعة وبسهولة بالغة الطبيعة التعاقدية لهذه الحرب، بل إن بيغن جاهر بذلك علناً(66).‏

4ـ يستدل من آراء المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل، أن نظرتهم إلى الدول العربية وعلاقاتهم معها، باستثناء بعض العناصر النفعية الثانوية، لا تتغير سواء وقعت هذه الدول العربية اتفاقات سلام مع إسرائيل أم لم توقع. وما كان يقوله المحللون العسكريون والباحثون الاستراتيجيون عن نظرتهم إلى المنطقة، بعد توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد، يكشف بوضوح أن إسرائيل تعد مصر، بعد كامب ديفيد، والأردن، بعد اتفاق وادي عربة، عدوين محتملين، لأن متغيرات إقليمية قد تغريهما وتشتركان بالحرب ضد إسرائيل (67).‏

5ـ إن الكيفية التي ترسم بها أية دولة استراتيجيتها، وتحدد بموجبها مكونات أمنها القومي، تكشف عن رؤيتها إلى نفسها ضمن النسيج الإقليمي والدولي. وبالنسبة لإسرائيل، فالتهديدات الأمنية، لم تعد محصورة بالحرب مع دول الطوق العربية، أو دول الجبهة الشرقية، كما كان الاعتقاد يشمل دولاً مثل إيران، بعد ثورة شباط 1979، وحتى باكستان، بعد إنتاج هذه الدولة لقنبلتها النووية.‏

الخلاصة ..‏

إن الهدف الأساسي للدين الأمني في إسرائيل خلق الإنسان ذي الذهنية القابلة للتسليم، وبدون نقاش أو استعداد لإعادة النظر، بكل الأساطير المؤسسة لإسرائيل والحركة الصهيونية، وأن يقبل ذلك الإنسان، وبصورة فورية، وكأن لا دور له فيه، أن الخيار الوحيد له هو الحرب، لأجل الحرب، وتقديس الحرب، لأن لا سبيل لإسرائيل للعيش دونها. أليس هذا ما نفهمه مما يقوله موشي دايان. «إن إسرائيل مرتكزة على السيف. هذا هو قدر جيلنا.. خيار حياتنا.. أن نكون مستعدين، ومسلحين وغلظاء.. وإلا سوف يسقط السيف من قبضتنا. وحينئذ تنتزع حياتنا»(68).‏



((‏



( هوامش البحث:‏

1ـ قرار صادر عن المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الإسرائيلي، راكح، 1972.‏

2ـ الحياة 26/3/2001.‏

3- Encyclopedia Britannica File: //C/ Program %20 Files, Britannica, 2001, Cache, info.‏

4- Grand Larousse Librairie Larousse, Paris 1962. Vo1. 8. P. 983‏

مأخوذة عن د. الكيالي، إحسان سامي، العنصرية الصهيونية في الدستور والقوانين الإسرائيلية الأساسية، المؤتمر الثالث عشر لاتحاد المحامين العرب، تونس، تشرين الثاني 1976، ص17 ـ 18.‏

5ـ المصدر السابق، ص19.‏

6ـ بلدنا، صحيفة اليهود الروس الناطقة باللغة الروسية، 3/12/1998.‏

7ـ الأسبوع، مجلة اليهود الروس الناطقة باللغة الروسية، 20/11/1998.‏

8- AL - Ahram Weekly, 15 - 2 - 2001‏

9ـ هآرتس 13/4/2001، مقال بقلم يوئيل ماركوس‏

10ـ الحياة 6/1/2001 مقال بقلم سائدة حمد.‏

11- Revisioniom, From Jabotinsky to Begin, Palestine Studies, winter 1983. p. 79‏

12- The Oxford Concise Dictionary of Politics. Oxford Press. 1996.‏

13ـ لمزيد من التفاصيل، راجع الموعد، حمد سعيد، الصهيونية تعليم الحقد قراءة في تشكيل العقد الصهيوني، دار الملتقى، قبرص، 1993، ص39.‏

14ـ الصافي، عبد الرزاق، القاموس ـ السياسي، دار الفارابي، لبنان، بيروت.‏

15- Encyclopedia Britannica. vol.9. pp. 194.‏

16- Fascist Components in the Political Thought of Vladimir. Jabotinsky. Arab Swdies Quartely. Vol.6.p. 304.‏

17- Joseph B. Schectmen, “Rebel And Statesman” The V. Jabotinsky Story. New york. 1956.pp.23 - 27.‏

18- Leon Uris. Exodus. Bantam Books. New york Toronto. London.p..‏

19ـ الموعد، حمد سعيد العنف في الفلسفة الصهيونية، مجلة الأراض للدراسات الفلسطينية، دمشق 1987.‏

20- Meir. G. My Life. Tel. Aviv. 1975.p..‏

21ـ بيبرو، جان الفلسطينيون، الغرب، دينية اللسان، الشعب الفلسطيني، مقالات بقلم كتاب يهود، مصدر سابق ص118.‏

22ـ الموسوعة الفلسطينية الجزء الرابع ص8ـ 9ـ 10ـ 11.‏

23- Shulamit Volkov. German Anti - Semitism and the National Thought the Jerusalem Quarterly. Vol. 15. 1980.‏

24ـ المصدر السابق، ص57.‏

25ـ المصدر نفسه، ص57.‏

26ـ المصدر نفسه، ص58.‏

27ـ المصدر نفسه، ص58.‏

28ـ مأخوذة عن الفكرة الصهيونية، النصوص الأساسية، بإشراف د. أنيس صايغ، ترجمة لطفي العابد وموسى عنز، تعريف د أسعد رزوق، مراجعة هلدا شعبان صايغ وإبراهيم العابد، م.ت.ف، مركز الأبحاث بيروت، 1970، ص13.‏

29ـ المصدر السابق ص47.‏

30ـ المصدر السابق ص47.32ـ يوميات هرتزل، إعداد د. أنيس صايغ، ترجمة هيلدا شعبان صايغ ـ مركز الأبحاث، بيروت 1973، ص319.‏

31ـ المصدر السابق.‏

32ـ يوميات هرتزل ـ إعداد د. أنيس صايغ، ترجمة هيلدا شعبان صايغ ـ مركز الأبحاث، بيروت 1973، ص319.‏

33ـ انظر الماركسية والدولة اليهودية، بقلم أ. ديمتري، موسكو، دار التقدم. 1967، ج1 ص94.‏

34ـ المصدر السابق، ص225ـ 227.‏

35ـ المصدر السابق، ص427.‏

36- Le Grand Le Rousse.‏

37- Longman Dictionary. 1998.‏

38ـ لمعرفة المزيد من عادات اليهود القديمة من المفيد جداً مراجعة كتاب Max Weber. Ancient Judaism الصادر عام 1902، وهو من تلاميذ هيغل.‏

39ـ حول الطقوس التي تجري كل سنة في المدارس والمعاهد في إسرائيل إحياء لذكرى ما يعرف بالكارثة. راجع المصدر المذكور أعلاه.‏

40ـ نشر كتاب اللورد راسل في لندن عام 1954. مأخوذة عن مجلة الأرض 21/9/1983. ص20.‏

41ـ المصدر السابق نفسه‏

42ـ المصدر السابق.‏

43ـ المصدر السابق، ص20.‏

44ـ رعاية الأشقاء، بقلم فيليب فردمان، نيويورك، 1957ـ ص13.‏

45ـ مجلة الأرض، 21/9/1982 ص21‏

46- Bar Zohar, Michael, Ben Gurioun‏

The Armed Prophet, Eaglewood, Cliff, 1962, P.46‏

47- The Secret Relatoins Between Zionism and Nazi Germany, Palestine Studies, April, 1976. P 54 – 83‏

48- Alfred lillenthal, The other side of the Medal, p. 108.‏

49ـ انظر ا.م. برودسكي، الصهيونية في خدمة الرجعية، دار التقدم، موسكو.‏

50ـ المصدر السابق، ص 103ـ 104‏

51ـ المصدر السابق‏

52ـ المصدر السابق‏

53ـ لمزيد من التفاصيل حول التعاون بين النازية والصهيونية في زمن الديكتاتورية، ترجمة د. محجوب عمر، مؤسسة الدراسات والأبحاث العربية، بيروت 1985.‏

54- Jabotinsky, Vladimir Zeev, A self – Portrait, Jewish Frontiers, January, 1935, p 16‏

55- Revisionism, From Jabotinsky to studies, winter, 1983. P.79.‏

56- Bruno Bettelheim, Survivng The Holocaust, Flemingo, Fontana Paperbacks. London. 1986. P. 27‏

57- Bruns Bettle Geim, Ibid, P.27‏

58- bid: P.56.‏

59ـ انظر أسطورة عمود النار، ترجمة دار الجليل إشراف الدكتور غازي السعدي، عمان، والتفاصيل كاملة موجودة في كتابنا المذكور أعلاه.‏

60ـ برودسكي، الصهيونية في خدمة الرجعية، مصدر سابق.‏

61ـ يديعوت أحرونوت 9/2/1968.‏

62ـ مأخوذة عن ليني برينر، مصدر سابق.‏

63ـ لمزيد من التفاصيل راجع‏

Asher, Arion, Ilan Talmud and Tamer Herman, National Security and public Opinion, Israel, the jaffee Centre for Strategie Studies. No.9 Tel. Aviv University. 1988. P.49.‏

64ـ هآرتس 9/10/1973.‏

65ـ مصدر سبق ذكره.‏

66ـ لمزيد من المعلومات راجع «الدروس التي استفادها العدو الصهيوني من تجربته في لبنان» الموعد، حمد سعيد ـ مجلة الأرض 1982.‏

67ـ لمزيد من التفاصيل راجع:‏

John Edwin Mroz, Beyond Security, Private Perceptions Among Arabs and Israelis, The Intermational Peace Academy, fergamon Press, 1980, PP 32 –33 – 34.‏

68ـ مأخوذة عن كتابنا السابق.‏




mailto:aru@net.sy

| الصفحة الرئيسة | | دليل الاعضاء | | جريدة الاسبوع الادبي | | صفحة الكتب | | صفحة الدوريات-مجلات | | فهرس الكتب | | اصدارات جديدة | | معلومات عن الاتحاد |


سورية - دمشق - أتوستراد المزة - مقابل حديقة الطلائع - هاتف: 6117240 - فاكس: 6117244

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق