السبت، 27 يونيو 2009

الأسس المذهبية للإرهاب في الفكر الصهيوني

الأسس المذهبية للإرهاب في الفكر الصهيوني‏
ظهرت الصهيونية باعتبا رها حركة سياسية منظمة في نهاية القرن التاسع عشر عام 1898، عندما تأسست ا لمنظمة الصهيونية العالمية وكان رئيسها الأول وصاحب نظرياتها الرئيسية تيودرو هرتزل. وهي تمثل حركة عرقية مغرقة في رجعيتها، واكتسبت شرعيتها العاطفية من فكرة الشعب ذي الرسالة الخالدة، أي » شعب الله المختار «، وقدمت برنامجاً سياسياً يأخذ شكل أفكار مجردة أسطورية لحل برجوازي لما سمي » المسألة اليهودية «. وكانت تمتلك قدرة على استقطاب قطاعات واسعة من يهود العالم، واستخدام كفاء اتهم، ونفوذهم في الأوطان الذين يعيشون فيها، واستخدام قطاعات منهم، حيث أن البرجوازية اليهودية بوصفها فرعاً عضوياً من حركة الرأسمالية العالمية، كانت تبحث عن طريق جديدة وأكثر فعالية لإعادة اكتساب السيطرة على جماهير اليهود من أجل تدعيم مواقعها السياسية والاقتصادية في العالم الرأسمالي .‏
والحركة الصهيونية ارتبطت عضوياً بحركة الإمبريالية العالمية، فقد كانت مرتبطة ببريطانيا، حيث كانت بريطانيا قائدة للعالم الرأسمالي، وأوروبا تمثل مركز الرأسمالية العالمية، ثم ارتبطت بالإمبريالية الأميركية، أكبر قوة إمبريالية، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث انتقل مركز الرأسمالية العالمية من أوروبا إلى أميركا .‏
وكانت الحركة الصهيونية، الذي يشكل الكيان الصهيوني مشروعها الاستعماري الاستيطاني، تجسد فكراً سياسياً » يأخذ شكل بنية فكرية متسقة لا تختلف في تركيبها كثيراً عن الأساطير اليهودية الدينية، وأن هذه البنية السياسية، تستغل اليهودي لتكتسب بعداً تاريخياً وإنسانياً، كما تستغل كثيراً من الأفكار السياسية العلمانية والثورية لإضفاء صفة علمانية أو ثورية على نفسها. وقد تنبه كثير من الصهاينة لهذه الحقيقة. فالحاخام صموئيل اييم لانداو (1892 – 1928 ) يشير إلى ان البرنامج الصهيوني يدور حول فكرة واحدة » وكل القيم الأخرى ما هي إلا أداة في يد هذا المطلق الأمة « (308) « (8 ) .‏
الفكر الصهيوني هو فكر المطلقات الأحادية بامتياز، من خلال هروبه من عالم العقل والتاريخ إلى عالم اللاعقل والمطلق وغيبيات التراث اليهودي القديم، باعتباره إحدى سمات هذا الفكر الصهيوني، حيث جاءت الصهيونية لتحقيق التنبؤات القديمة، ولتنفيذ الرؤى الخلاصية. فالصهيونية قائمة في جذور الديانة اليهودية. والديانة اليهودية تجسدت قومية في الحركة الصهيونية، هذا ما عبر عنه بن غوريون عام 1967 حين قال» لقد آمنا طوال آلاف السنين بنبوءات أنبيائنا. وبيننا أشخاص يؤمنون بمجيء المسيح الذي سيجمع يهود العالم، أمواتاً وأحياءً، في الأرض المقدسة «، وقال » إن الصهيونية تستمد وجودها وحيويتها من مصدر عميق، عاطفي، دائم. وهو مستقل عن الزمان والمكان، وقديم قدم الشعب اليهودي ذاته. هذا المصدر هو الوعد الإلهي، والأمل بالعودة « (9) .‏
إن الرؤية الصهيونية للتاريخ تنبع من العودة إلى جذور الديانة اليهودية، والتراث اليهودي، اللذين يفيضان بالتنبوءات والوعود التي تبعث الأمل في صدور اليهود، وتبشرهم بالعودة. وقد أرست الحركة الصهيونية العالمية الكيان الصهيوني على أرض فلسطين إيماناً منها بتنبوءات الديانة اليهودية والتراث اليهودي القديم. ففي بيان » إعلان الإستقلال للكيان الصهيوني «، الذي يحتوي على رؤية للتاريخ اليهودي، يقول البيان » إن أرض إسرائيل هي المكان الذي ولد فيه الشعب اليهودي، وهنا تشكلت ذاتيتهم الروحية والدينية والقومية، وهنا حصلوا على استقلالهم وخلقوا حضارة لها محتوى قومي وعالمي، وهنا كتبوا الكتاب المقدس وقدموه للعالم «. ويتحدث البيان أيضاُ عن حالة اليهود النفسية بعد الشتات فيقول » حافظ الشعب اليهودي على ولائه لأرض إسرائيل بعد نفيه منها إلى بلاد الشتات، ولم يتوقف عن الصلاة والأمل في العودة وفي استرجاع حريته القومية. هذا الارتباط بالأرض دفع اليهود إلى الكفاح عبر القرون للعودة إلى ارض آبائهم وليستعيدوا كيانهم كدولة مستقلة، وقد عادت بالفعل جماهير عديدة في السنين الأخيرة « (10) .‏
وهكذا، أصبح الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين تجسيداً للرؤى التوراتية والنبؤات الدينية، التي حضنها اليهود طيلة آلاف السنين. وأطلق الفكر الصهيوني على أتباع الديانة اليهودية اسم » الشعب اليهودي « الذي وعده إلهه بأرض فلسطين، واتخذ من فكرة العودة إلى » أرض الميعاد « وسيلة لإثارة حماس اليهود الديني والعاطفي في شتى أنحاء المعمورة بهدف تنظيمهم في صفوف الحركة الصهيونية، بوصفها حركة سياسية عملت بجهد هائل وقوة جبارة على اقتطاع اليهود من الأوطان التي كانوا يعيشون فيها، والسير بهم إلى فلسطين .‏
ويستمد الفكر الصهيوني رؤيته للتاريخ من العودة للتراث اليهودي القديم، ولتصور اليهود لله. فعلاقة اليهود بالله (المطلق) هي التي تحدد علاقة اليهود بالتاريخ (النسبي المتغير). ونحن إذا ما نظرنا إلى العهد القديم لوجدنا إشارات عديدة إلى الله على أنه كائن له خصائص إنسانية وأنه ليس معصوماً من الخطأ أو الغضب أو الخجل. فهو على سبيل المثال رجل حرب (خروج:15:4)، وهو يأمر اليهود بقتل النساء بل والأطفال والذكور (عدد31:1-3)، وهو رب قوي الذراع يأمر شعبه بألايرحم أحداً (تثنية 7:16-19). كما أن مقاييسه الأخلاقية تختلف حسب الزمان والمكان وحسب ما تمليه الاعتبارات العملية، فهو يأمر الشعب المختار بضرب جميع الذكور بحد السيف في المدن البعيدة عن أرض الميعاد، أما سكان أرض الميعاد ذاتها فمصيرهم الإبادة ذكوراً كانوا أم إناثاً أو أطفالاً. وفي قصة راعوت (1:15) ثمة إشارة إلى شعبها وآلهتها. ولذلك نجد أن هذا الإله اليهودي الخاص يطلب من أفراد شعبه أن يصبغوا أبواب بيوتهم بالدم حتى لا يهلكهم مع أعدائهم المصريين عن طريق الخطأ. (خروج 12:13-14)، أي أننا يمكننا القول أن اليهود القدامى كانوا يؤمنون بإله واحد ولكنهم لم يكونوا قط من الموحدين بالله « (11) .‏
الفكر الصهيوني يعتبر الإله اليهودي إلها قومياً بوصفه امتداداً » لوعي الأمة اليهودية بنفسها، حيث يجسد هذا الإله في نهاية المطاف في الوثن القومي الأعظم دولة الكيان الصهيوني أي "إسرائيل". والحال هذه، يصبح ليس الإله اليهودي هو الإله القومي فحسب، بل أن كل المقدسات اليهودية تأخذ صفة قومية خالصة من منظور التفكير الصهيوني المعاصر الذي يشترك مع التفكير اليهودي القديم في الإيمان بأن الشعب العبري سمي بني إسرائيل بعد أن صارع يعقوب الملاك (في حادثة غامضة لا يمكن فهم مدلولها مثل معظم الأساطير اليهودية الأخرى ). وقد سمي بعدها "إسرائيل" أي "بطل الله"، وأصبح العبرانيون إسرائيليين أي »المدافعين عن الله «. وبذا اصبح الشعب امتداداً لله في الأرض يخاطبه اليهود بكثير من عدم الكلفة » لماذا تكون كإنسان جبار لا يستطيع أن يخلص، وأنت وسطنا يا رب قد دعينا باسمك لا تتركنا (ارمياع‏
1 :9). إن الله قد حل في الأمة » وأصبحت إسرائيل مشبعة بروح الله، بروح الاسم المقدس) (297) وحلول هذه »المادة الإلهية« في الشعب هو ما يميزه عن غيره من الشعوب الأولى(300). كما يقول الحاخام الصهيوني اسحق كوك 1865-1935، لأن الشعب قد حل فيه الله فإن كل شيء يهودي قومي تحيط به هالة من القداسة (12).‏
يعتبر الإرهاب، أي استخدام القوة والعنف من أجل تأييد ودعم هدف سياسي متأصلاً في مفهوم الصهيونية منذ انطلاقتها، وهو الوسيلة الوحيدة التي تستخدمها الصهيونية لتحقيق مشروعها الاستعماري الاستيطاني، عبر اغتصاب أراضي السكان الأصليين وإخضاعهم لهيمنتها، فضلاً عن أنه يشكل نمطاً يخص اليهود حصراً من خلال ممارساتهم البربرية التي ارتكبوها عبر التاريخ القديم والحديث تحت شعار تحقيق » المطلقات اليهودية « وفي القلب منها الاستيلاء على الأرض العربية في فلسطين.‏
ومنذ البداية اختار القادة الصهاينة استخدام الإرهاب ضد السكان الأصليين إذا كانوا يريدون تحقيق هدفهم في طردهم والاستيلاء على فلسطين » كوطن قومي لليهود « كما تدعي الصهيونية زورا ومغالطة للتاريخ. وحتى في وقت مبكر يعود إلى عام 1883 كتب اسحق ريليف حاخام ميمل وأحد مؤسسي الحركة الصهيونية، يقول في كتابه (لئم جراح شعبي )، :‏
» من الواضح ان إنكلترا للإنكليز، ومصر للمصريين، ويهودا لليهود. فهناك متسع في بلادنا لنا. وسوف نقول للعرب : ارحلوا. أما إذا رفضوا واعترضوا بقوة فسوف نستخدم القوة لترحليهم. وسوف نضربهم على رؤوسهم ونجبرهم على الرحيل « .‏
ويعود تاريخ الإرهاب اليهودي إلى أكثر من ثلاث آلاف سنة. ففي الألف قبل الميلاد ،حينما عملوا سيوف البطش والتنكيل بأهالي أريحا، عند دخولهم لها بقيادة ملكهم » يشوع « مؤسس أول شبكة إرهاب في التاريخ، استخدم فيها البغايا والمومسات واعتمد على نشر الفضائح بغية الإبتزاز والإخضاع. ولم يغب أسلوب التصفيات الجسدية كوسيلة للوصول إلى الأهداف المطلوبة أي »الغاية تبرر الوسيلة«. وجاء في التوراة سفر يشوع، ذكر مجزرة أريحا، وهي الأولى التي ارتكبها اليهود في تاريخهم الإجرامي الطويل من اجل اغتصاب الأرض بعد إبادة كل من عليها. يشوع قال للشعب » اهتفوا الآن، الرب قد أعطاني المدينة. فتكون المدينة وكل ما فيها محرما للرب. راحاب الزانية فقط تحيا هي وكل من معها في البيت، لأنها خبأت المرسلين اللذين أرسلناهما. وأما أنتم فاحتزروا من الحرام. كل الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد تكون قدساً للرب، وتدخل في خزانة الرب.. . فهتف الشعب وضربوا بالأبواق. .. فسقط السور في مكانه، وصعد الشعب إلى المدينة.. . وحرّموا كل ما فيها، من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف. .. واحرقوا المدينة بالنار مع كل ما فيها « (يشوع8) .‏
وتجد في الكتاب القديم، ان يهوه وهو إله حرب، إقليمي قبلي، مثله مثل إله القبائل أو الممالك الأخرى المنتشرة في الشرق القديم، اتخذه موسى إلها، وناطقا بلسانه : » ثم ان النفس المتصلبة القاسية، وروح العنف والحقد التي كانت لموسى، أعطاها ليهوه. فإذا به إله قاس، مرعب، حقود ومنتقم، غيور لموسى نفسه، وصاحب نفسية بدوية، تشتعل بالثأر والانتقام، يسير أمام المحاربين لأنه رب الجنود ويأمر بتدمير المدن وتذبيح البشر في هجمات بربرية وحشية. يبدو يهوه الموسوي ذا نفسية همجية، لا يخالجها شعور بشفقة أو حنان. وإنما هي أتون نار، يضطرم بالحقد والبغض وضراوة الانتقام. تأمر بالقتل والتذبيح والتدمير. ويهوه أبداً إلى جانب موسى يحثه على الإغارة على المدن الكنعانية العامرة بالحضارة الإنسانية لتدميرها وإفناء شعوبها. ومنذ اتخذ بنو إسرائيل يهوه إلها لهم، جعلوه إلها غاصباً، ظالماً، قاسياً، يسر لرائحة المحترقات، وينتشي برائحة الدم. ومنذ بدا يهوه حياته الرعوية لهذا الشعب، أعطاهم نموذجا من حياته، حين قبل ذبيحة هابيل التي تثير شهواته وتروي نفسه المتعطشة للدم ورفض تقدمة قايين المتواضعة التي لا اثر للدم فيها «(13) .‏
الشريعة اليهودية التي خرجت منها النصوص التلمودية والتوراتية تشرع وتبارك القتل و الإرهاب الذي لم يميز بين رجل وامرأة وطفل وشاب وشيخ، ولم ينج الزرع والثمر ولا حتى الخيول والبقر، وذلك بالاستناد إلى تعاليم الإله يهوه، الذي أكد الإرهاب كأداة مشروعة » أنا الرب هو وليس إله معي، اسكر سهامي بدمي، ويأكل سيفي لحماً كما بدم القتلى والسبايا من رؤوس العدو« .‏
ويتابع يهوه دروسه » وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف « إيمانا وقناعة بأن اللجوء إلى الإرهاب والاستعداد للتعاون مع الشر قوة لها فوائدها في تحقيق الوطن اليهودي.‏
و الصهيونية كحركة عدوانية استيطانية توسعية، هي بالأساس حركة دينية سياسية، تستند في دعواها الدينية إلى وعد إله التوراة يهوه بتمليكهم ارض كنعان، وتأسيس مملكته في أرض معينة » فلسطين «، وتعمير بيته على جبل صهيون .‏
وقد ارتكز كبار القادة الصهاينة المقتنعين بفعالية الإبادة الجسدية على الشريعة التوراتية التي تبيح القتل، كما يؤكد ذلك روزينبرغ في كتابه » مكانة الإرهاب في التفكير اليهودي «الذي أصدره في ألمانيا عام 1942 قائلاً : » إن النفسية اليهودية شريرة عدوانية لا تقبل السلام فإن لم تجد من تقتله قتلت نفسها «. في حين يرى الجنرال كلود باشا في كتابه » السلام في الأرض المقدسة « أن » اليهود هم المسؤولين عن الحوادث المدمرة بينهم وبين المسيحيين بسبب اضطهاد اليهود للمسيحيين في بدء الدعوة المسيحية « .‏
ب – الإرهاب في خطاب المنظرين لقادة الصهاينة‏
الإرهاب ن أهم العناصر الثابتة والمكونة للحركة الصهيونية عبر التاريخ، حيث ان الإرهاب و الصهيونية شيئان متلازمان ومتكاملان أو هما وجهان لحقيقة واحدة، بحيث يشكل الإرهاب للحركة الصهيونية وأتباعها منهج وأسلوب عمل، أي أنه عقيدة نظرية وتطبيق في آن واحد. ومنذ المؤتمر الأول للحركة الصهيونية الذي تمخض عنه قرارات لحكماء صهيون سميت ببروتوكولات حكماء صهيون أو القرارات السرية، التي أسفرت عن تشكيل المنظمات الإرهابية قبل قيام الكيان الصهيوني وبعده، التي تغطي أهداف الحركة الصهيونية على العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والفكرية، أفتى القادة الصهاينة في تطبيق نظريات الإرهابيين الكبار من هيرتزل إلى جابوتنسكي ومناحيم بيغن واسحق شامير ورفائيل ايتان واسحق رابين وشمعون بيريز ومائير كاهانا وغيئولا كوهن وغيرهم كثيرون. لعب هرتزل دوراً مهماً في تأسيس فلسفة الإرهاب الصهيوني، فقد كان من المعجبين بنيتشة الفيلسوف الأماني، وتبنى فكرة الرجل الخارق، وربطهما بالعقيدة اليهودية التي تقول :‏
» إن اليهود هو شعب الله المختار «، وحولها إلى فكرة الأمة السوبر أي الخارقة. وكان هرتزل يرى أن الشرط الجوهري لبلوغ الدولة الصهيونية هو استخدام قوة السلاح. وتكشف كتابات هيرتزل النظرية عن تمسكه الشديد بالعنف والقوة. وتشير هذه الكتابات إلى تطور مزدوج للطرفين الصهيوني والعربي، طرف صهيوني سيعتمد على السلاح والعنف الجماعي المنظم، وطرف عربي سيكون » قطيعاً من الوحوش علاجه الوحيد هو الإبادة الجماعية«. يقول هرتزل، فمثلا إذا وجدنا في موقف يتطلب منا تطهير بلد من الوحوش الضارية، طبعاً لن نحمل القوس والرمح ونذهب فرادى بل سننظم حملة جماعية ضخمة ومجهزة ونجمع الحيوانات ونرمي في وسطها قنبلة شديدة الانفجار « .‏
ويعتبر فلادمير زئيف جابوتنسكي الأب الروحي لمناحيم بيغن من كبار المنظرين للإرهاب الصهيوني، حين يذهب إلى تقديس السيف المرسل من السماء باعتباره امتدادا للتصور اليهودي القديم للنبي الغازي الذي أفرزته المقدسات القومية حسب تعبير جابوتنسكي، إلى جانب التوراة. يقول جابوتنسكي الذي أسس اتحادا للصهاينة التصحيحيين والذين كانوا يبشرون علنا بفكرة مفادها » يجب أن توجد أغلبية يهودية في فلسطين، ويجب أن يتم تحقيقها ضد رغبة الأغلبية العربية الحالية في البلد «. وفي وقت مبكر من عام 1907 وفي خطاب لـه أمام البرلمان السابع للمنظمة الصهيوني العالمية أطلق جابوتنسكي الأرضية الفلسفية لسياسته الإرهابية قائلا : » إن المعيار الأخلاقي للطرق التي يستخدمها المقاتل ينبغي الحكم عليه كليا بمقدار النفع أو الضرر الحقيقي الذي ينجم عن ممارسة هذا المقاتل. وناشد جابوتنسكي حملة الأخلاقية السامية، أن يدمروا بقبضة من حديد كل من يقاوم الصهيونية وقال :ينبغي إما إنهاء الاستعمار الصهيوني أو أن ينفذ حتى لو كان ضد رغبات السكان الأصليين .‏
وبناء على ذلك يمكن لهذا الاستعمار (أي الصهيوني الاستعماري ) أن يستمر ويتقدم فقط تحت حماية سلطة مستقلة عن السكان المحليين. أي إقامة جدار حقيقي يكون بموضع يمكننا من مقاومة ضغط السكان الوطنيين. وهذه هي بقصير العبارة سياستنا تجاه العرب. وقد صاغ جابوتنسكي معادلة قانون حديد الصب وبصورة ساخرة كان يعظ بالأخلاقية العسكرية، والاستعمار، والعدوان، وهذه هي الأرضية الإيديولوجية لحركته الفاشية العنصرية، حيث يوجد تحليل متشابه بين الصهيونية والفاشية .‏
وقد تبع مناحيم بيغن أستاذه جابوتنسكي في تأكيد أهمية العنف و الإرهاب في التاريخ بقوله : » أنا أحارب إذا أنا موجود « وبقوله أيضا » إن قوة التقدم في تاريخ العالم ليست السلام بل السيف«. ويبدو أن هذا الضرب من التقدم قد وصل ذروته من خلال تزعمه المنظمة الإرهابية – الأرغون – التي تحولت فيما بعد إلى حزب حيروت الذي تزعمه منذ ذلك التاريخ وحتى استقالته في العام 1984 بعد فشل غزو لبنان. وهو يعد من أكبر الإرهابيين فكراً وممارسة، وهذا الجانب من الفكر الصهيوني يتضح بجلاء في كتابه – الموسوم بالثورة - » إن الممارسات الإرهابية أشبعت – رغبة جارفة مكبوتة عند اليهود للانتقام – كما يؤكد أن هذه الممارسات كانت الطريق الوحيد الفعال لتأمين (الأهداف القومية) اليهودية في فلسطين. ويضيف بيغن »من الدم والنار والدموع والرماد سيخرج نموذج جديد من الرجال، نموذج غير معروف البتة للعالم في الألف وثمانمائة سنة الماضية، اليهودي المحارب أولا قبل كل شيء، يجب أن نقوم بالهجوم، نهاجم القتلة، بالدم والعرق سينشأ جيل متكبر كريم قوي (14).‏
مثل السيف بالنسبة للإرهابيين الصهاينة رمز الذكورة والقوة، والعنف، فقد حول بيغن السيف إلى محرك للتاريخ( وهذه هي مهمة الله حسب التصور اليهودي القديم ). وحتى كتابات هرتزل مليئة بعبارات الإعجاب بهذا السيف البروسي، حيث أن الصهاينة كانوا مبهرين بالعسكرية البروسية الرائعة .‏
وبما أن الصهاينة أكدوا أهمية السيف والعنف كمحرك للتاريخ، فإنه من المتوقع أن يكون الإرهاب جزءاً أساسياً من البرنامج السياسي. والصهاينة كانوا منطقيين مع أنفسهم لأنه كي تتحول أسطورة »العودة« إلى حقيقة واقعة كان يلزم الحد الأقصى من الإرهاب. فالتصور الأسطوري لفلسطين كبقعة من الأرض تنتظر عودة »سكانها الأصليين« ولليهود كشعب هائم طفيلي حزين يتذكر الأرض بوله. هذا التصور لم يكن من الممكن تحويله إلى واقع دون اللجوء للعنف والإرهاب ضد الفلسطينيين في أرض الميعاد وضد اليهود في المنفى. . فالإرهاب كان سلاحاً أساسياً ومباشراً من أجل »تفريغ« فلسطين من العرب و »تحرير« الأرض من السكان الأصليين، الأمر الذي كان يقتضي تأسيس منظمات إرهابية لها طابع مزدوج زراعي وعسكري، حتى تترجم الرؤية الصهيونية نفسها إلى واقع .‏
ويمتد الإرهاب الصهيوني ليشمل يهود الدياسبورا الذين تحتقرهم الصهاينة أيما احتقار لرضاهم بوضعهم التاريخي » بالمعنى المألوف للكلمة وليس بالمعنى الصهيوني «. ويأخذ هذا العنف أشكال عدة، فهناك الإرهاب الفكري ضد كل من يرفع صوته ضد الصهيونية كفكر، وهناك أيضاً محاولة تقديم الصهيونية على أنها التغيير الحقيقي والوحيد في اليهودية(15).‏
ت – العلاقة الوطيدة بين الصهيونية و النازية‏
من المعروف تاريخياً ان المؤتمر الصهيوني الأول أمر بتشكيل منظمات يهودية سرية لتحقيق الأهداف الصهيونية الإرهابية، والتي اتسمت باستخدام العديد من النظريات لعل أهمها :‏
1 – نظرية التملك، 2 – نظرية المصالح الحيوية التي تعمل بها الولايات المتحدة، 3 – نظرية المجال الحيوي (النازية)، 4 – نظرية الحدود الآمنة (الدولة العبرية)، 5 – نظرية الأرض المحروقة. وتشكل هذه النظريات جوهر المنهج اليهودي المستوحى من التوراة والقائل بسياسة » خطوة خطوة تأخذون الأرض لكي لا يتكاثر عليكم سكان الأرض «، والذي يعتبر الإرهاب ميزة جوهرية من ميزات الوجود اليهودي ومظهرا من مظاهر حياتهم، وأن بروتوكولات حكماء صهيون تشكل إحدى أهم العوامل في إذكاء نزعة الإرهاب » ان حقنا يكمن في العنف « البروتوكول الأول .‏
برزت في الحركة الصهيونية عدة منظمات إرهابية، حيث أن سجل هذه المنظمات يشكل جزءا أساسياً من تاريخ الإرهاب. ولعل العلاقات التي ربطت الصهيونية بالنازية، والتي قامت على جثث وأشلاء آلاف اليهود الذين وقعوا في قبضة هتلر، ليست سوى نموذج للإرهاب الصهيوني. فإبان الحرب العالمية الأولى أسس أحد منظري الإرهاب الصهيوني (جابوتنسكي) كتيبة عسكرية، حاربت إلى جانب الجيش البريطاني، الذي زحف على فلسطين عام 1917، لكن التحالف سرعان ما انقلب إلى عداء، بمجرد فرض الانتداب البريطاني على فلسطين، إذ احتج جابوتنسكي على ما اسماه » فرض القيود على الهجرة اليهودية «. وشرع في إنشاء »حرس القدس عام1920، ثم طالب السلطات البريطانية بالسماح بدخول أربعين ألف يهودي سنويا إلى فلسطين ولمدة خمس وعشرين سنة. وفي عام 1937 أسس فلاديمير جابوتنسكي وابراهام شتيرن منظمة (الأرجون) الإرهابية التي ضمت غلاة المتطرفين الصهاينة، واقتصر عملها في البداية على تهريب اليهود إلى فلسطين. وفي عام 1940 قررت قيادة "الأرجون" عقد اتفاق هدنة مع بريطانيا، بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية، لكن ابراهام شتيرن رفض هذا القرار وانشق عن الأرجون، وأسس منظمة " شتيرن " نسبة لمؤسسها .‏
وتشبث شتيرن وأنصاره بالأفكار السياسية لجابوتنسكي الذي طرح فكرة إقامة دولة يهودية في كل الأراضي الفلسطينية بما فيها ضفتا نهر الأردن الغربية والشرقية. وكان جابوتنسكي حاله حال النازيين، يرفض كل أشكال الحكم البرلماني منطلقا من اعتقاده بأن إسرائيل يجب أن تكون »دولة قومية توتاليتارية«، وكان جابوتنسكي هو الذي قال »ألمانيا لهتلر وإيطاليا لموسوليني وفلسطين للصهاينة« .‏
والمعروف أن مرحلة ما بعد استلام هتلر السلطة في ألمانيا تميزت بنشاط ملموس للمنظمات الإرهابية اليهودية، وذلك بالإفادة من أجواء العلاقة المميزة التي عقدتها مع أجهزة الغستابو والأمن في حكومة الرايخ الثالث. وقد استخدمت النازية في العديد من الحالات (الهاغانا) و (الوكالة اليهودية ) كطابور خامس في الشرق الأوسط، حيث قدمت الشبكة اليهودية السرية خدماتها للنازية، وفي العام 1941 شرح زعماء »ليحي« موقفهم من السلطات النازية في مذكرة خاصة نقلت من فلسطين إلى السفارة الألمانية في تركيا، وعبر أصحاب هذه المذكرة عن ارتياحهم الكامل لسياسة النازيين إزاء اليهود في ألمانيا، وأكدوا أن التعاون بين ألمانيا و» الأمة اليهودية الجديدة « يمكن أن تتطور، وتعهد قادة ليحي بـ »المشاركة النشيطة « في الحرب إلى جانب ألمانيا، شريطة ان تعترف حكومة ألمانيا بـ »أماني الشعب اليهودي القومية« أو بالأحرى»تطلعهم إلى إقامة دولة يهودية داخل حدود تاريخية على أساس توتاليتاري قومي« .‏
والملفت أن الصهاينة والنازيين وقفوا موقفا واحد على الغالب من مسألة مستقبل الجالية اليهودية في ألمانيا. وإذ وضع النازيون نصب أعينهم مهمة حل » المسألة اليهودية « حلا نهائيا عن طريق طرد اليهود من »الرايخ الثالث« أو تصفيتهم الجسدية. فقد وجد الصهاينة العداء للسامية في ألمانيا ظاهرة موجودة ومفيدة تتيح توسيع قاعدة الحركة الصهيونية وزيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وهكذا فإن زعماء »ليحي« عرضوا على السلطات النازية خطة تخليص أوروبا من اليهود وذلك بتهجير يهود أوروبا إلى ما بين النيل والفرات وراعت تلك الخطة طرد العرب من هذه المنطقة وتدمير مساجدهم. وقال روزنبرغ أحد منظري النازية » ينبغي تشجيع الصهاينة بشتى السبل « .‏
وهكذا لجأ الصهاينة إلى الإرهاب من أجل دفع اليهود إلى فلسطين تحت غطاء الخرافة القديمة، وإجبارهم على الهجرة إلى »أرض الميعاد«، والمثال الجيد على ذلك الأساليب التي استخدمها الصهاينة تجاه اليهود القاطنين في أوروبا الغربية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي إثارة الخوف من معاداة السامية في المجتمعات الغربية لإجبار اليهود على ترك بلدانهم، والذهاب إلى فلسطين.‏
في 2 أيار من عام 1948 عشية الإعلان الرسمي لدولة الكيان الصهيوني قام القسيس (كلوستر) من جيش الولايات المتحدة وهو صهيوني بإعداد تقرير سري إلى قيادة المؤتمر اليهودي الأميركي، تحدث فيه عن فشل الدعاية الصهيونية بين الأشخاص المشردين من ذوي الجنسية اليهودية، واستخلص قائلا : » إني مقتنع ان الناس يجب أن يُجبروا على الذهاب إلى فلسطين ليحصلوا في المعسكرات على الطعام والملابس دون ان يسهموا في إعاشتهم. ولتنفيذ مثل هذا البرنامج يصبح من الضروري للطائفة اليهودية بصورة عامة ان تعكس سياستها بدلا من ان توفر الراحة للأشخاص المشردين، يجب ان تجعل حياتهم أشد ما تكون شقاء. ويجب سحب إمدادات اللجنة الأميركية المشتركة للتوزيع « (16).‏
ونظم العملاء السريون الصهيونيون حرائق وتفجيرات في المعابد اليهودية لإيقاع الرعب في الطائفة اليهودية في العراق مثلا لدفع ألاف اليهود للهجرة من العراق باتجاه فلسطين. وقد أعطت هذه العملية ثمارا لحكام إسرائيل حيث هاجر عدد كبير من يهود العراق ووقعوا في الشرك الصهيوني المنصوب لهم في‏
»الأرض الموعودة«. ولا تزال الصهيونية واعية للتناقض بين مصالحها ومصالح اليهود في الدياسبورا .‏
ما هو مشترك بين الصهيونية والنازية : هو ان الصهيونية مثل النازية صادرة عن تصور أسطوري للواقع، » راديكاليتها مثل راديكالية النازية. هي راديكالية لا عقلانية فاشية لأن جوهرها الأسطوري زائف وغير حقيقي ولا يستند إلى تحليل موضوعي للواقع الاجتماعي أو التاريخي. ولذا فهي تتطلب من التابع والمؤيد تقبلا لاعقلانيا وعاطفيا لمعطيات لا وجود لها إلا في مخيلة أحد الحالمين من أنصاف الأنبياء والكهنة (17) .‏
الصهيونية تلغي العقل وتقدس العاطفة وهي في هذا تشبه الفكر النازي والتيار النبوي واضح في الفكر النازي وضوحه في الفكر الصهيوني. فالنبي مثل السوبرمان كلاهما يجسد مطلقا. وصورة النبي العسكري (بن جوريون والفوهرر) تسيطر على الوجدان اليهودي سيطرتها على الوجدان النازي… وقد تأثر الصهاينة مثل النازيين بكتابات نيتشه وبآرائهما المثالية في القومية والإرادة المطلقة. فالنيتشوية مثل الصهيونية هي ديانة علمانية أو لاهوت دون إله، وهي داروينية تسبغ نوعا من الروحية والقداسة على قانون التطور. ومعادة الفكر العلمي واحتقاره وتقديس الفعل يشكلان تيارا أساسيا في فكر النيتشونة والصهيونية، والفكر النيتشوي مثل الفكر الصهيوني سري فيه نزعة قوية من الفاثيزم وحدة (الوجود) حيث ان حدود الأشياء ومعالمها في الكتابات الصهيونية وفي فكر نيتشه تختفي ليحل محلها ضباب اللامحدود والمطلق. وتفكير نيتشه تفكير نخبوي إذ أنه يرى ان حركة التطور الحقيقية لابد وان تؤدي إلى ظهور السوبرمان والى ظهور أمة مختارة من هذا النوع من الرجال. ويسيطر على الصهيونية أيضاً تفكير نخبوي حول حياة جماهير اليهود في الدياسبورا إلى مجرد كوبوي يؤدي إلى ظهور السوبرمان اليهودي والدولة اليهودية. فالصهيونية مثل النيتشوية تؤمن بفكرة الأمة المختارة (18 ).‏
فالصهاينة مشغولون بتصوراتهم المثالية الماسيحانية عن الدولة اليهودية والشعب المختار. وليس مصادفة أن ورثة المذاهب الفكرية والعنصرية والسياسية والحقوقية الفلسفية رسخوا أقدامهم في الكيان الصهيوني العنصري. فقد كانت الصهيونية الإيديولوجية الرسمية لهذا الكيان الذي يعتنق الأفكار القريبة من الفاشية التي شكلت الأرضية الموضوعية لتطور النزعات الفاشية التي تتغذى الآن منها.‏
ومنذ قيام الدولة الصهيونية وتشكيل الدوائر الصهيونية للسلطة في الدولة الحديثة الوجود وإقامة نظام سياسي كان هدفه تنفيذ المفاهيم الصهيونية النظرية، شكلت العقيدة الصهيونية أساس التشريع في هذا الكيان الاستيطاني الذي تحول إلى مرتع للعنصرية والعدوان والإرهاب في المنطقة العربية .‏
ويشكل إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية بمساعدة دول استعمارية, قمة الإرهاب والاستيطان والاغتصاب، حيث يذهب الإرهاب الصهيوني إلى ما هو أوسع وأشمل من محاولة قتل شعب وتهويد فلسطين ،إلى ظاهرة السطو التاريخي على تراث هذا الشعب وتشويهه. وقد كان هرتزل أفضل من عبر عن هذه الحالة إذ قال » القوة هي الوحيدة القادرة على اقتلاع شعب من أرضه «.‏
وبعد أن انقضي في الخامس عشر من ايار 2002، أربعة وخمسون عاماً على قيام الدولة الصهيونية في فلسطين, يجدر بالقوى العربية التي ما زالت تعتبر ان الصراع مع العدو الصهيوني صراع وجودإما أن ينتفي فيه الوجود العربي أو ينتفي الوجود الصهيوني، وهذا الصراع من النوع الذي لايعرف الرماديات أو التدرج بين الأسود والأبيض، بحكم أن الكيان الصهيوني رأس رمح متقدم للإمبريالية الأميركية لا يعرف سوى العدوان والإرهاب فلسفة ومنهجا... يجدر تقف في هذه المناسبة وقفة مراجعة جادة، تعينها على دراسة التجربة، وتحديد عوامل القوة في الموقف الصهيوني، والخلل في الموقف العربي.‏
وهنا نرى من الضروري نبدي الملاحظات التالية :‏
أولاً : إن العدو الصهيوني حقق حتى الآن الأهداف التالية:‏
قيام الدولة في 15 / 5 /1948، وانتزاع الاعتراف الدولي، وبناء القوة اللازمة لاحتلال كل فلسطين وسيناء والجولان (1967) وهو يعمل العدو الآن على فرض » السلام الأميركي – الصهيوني« على كل العرب، ويمكن القول أنه حقق نجاحات في الميادين التالية :‏
توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع النظام المصري، وتوقيع اتفاقية أوسلو مع قيادة عرفات، وتوقيع اتفاقية وادي عربة مع النظام الأردني، وجر أكثرية الأنظمة العربية إلى التطبيع معه، وفرض سياسة التسوية الإستسلامية على العقل السياسي العربي. ولم يبق الآن إلا تنفيذ هذه السياسات عملياً، التي حقق فيها العدو الصهيوني نجاحات كبيرة، لجهة كسب الإعتراف العربي الرسمي به، بعد الاعتراف به دولياً وهو يحقق ذلك من خلال سياسة تقوم على الركائز التالية :‏
الركيزة الأولى، تعبئة القوى الصهيونية الموجودة في فلسطين، لتكون قوى مقاتلة قادرة، وقوى منتجة اقتصادياً، في سبيل تهويد كل فلسطين، وطرد العرب منها .‏
الركيزة الثانية : حشد القوى الصهيونية في العالم لتأييد المخطط الصهيوني تأييداً كلياً. وتندرج في هذا الإطار الهجرة وجمع المعونات الاقتصادية وتوفير المساندة السياسية اللازمة، بما في ذلك الضغط السياسي والإعلامي المالي في البلدان التي يسكنها يهود..‏
الركيزة الثالثة : تطوير علاقات التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية، وهي ركيزة اساسية من ركائز السياسة الصهيونية ومنذ 1957 خاصة .‏
الركيزة الرابعة : تطوير التعاون مع دول العالم المختلفة، من خلال تبادل خدمات أمنية واقتصادية وسياسية الخ .‏
الركيزة الخامسة : العمل على تفتيت الوطن العربي دائماً، وإثارة أوسع النزاعات وأعمقها فيه .‏
ومازالت دولة العدو تسعى لتحقيق ذلك كله، ولفرض السلام الصهيوني – الأميركي على المنطقة العربية .‏
ثانياً : إن الأنظمة العربية، سواء التي سلمت بالمشروع الصهيوني أساساً، أو التي حاولت أن تقاومه، لم تستطع منذ البدء، أن تمنع الكارثة سنة 1948، أو سنة 1982. وما زالت حتى الآن عاجزة، وغير قادرة على مراجعة جادة، تسمح بتنفيذ قراري مجلس الأمن رقم 242 و 338 التي تسعى إلى تطبيقها. ولا نريد أن نتحدث عن التحرير، خصوصاً بعد الاسقاطات المدمرة لحرب الخليج الثانية .‏
ويساعد وضع الوطن العربي الآن، العدو الصهيوني على مواصلة تنفيذ سياساته .‏
ثالثاً : إن المقاومة الفلسطينية التي بدأت سنة 1965 على اساس انتهاج نهج التحرير، وإسقاط سياسات التسوية، تحولت في معظمها منذ 1970باستثناء بعض قوى الرفض، إلى انتهاج السياسات الرسمية العربية عينها، وتبنت نهج التسوية. وعليه، فإن السياسات الرسمية العربية، وسياسة م.ت.ف لا تطرح مسالة التحرير الآن، وليست قادرة حتى على فرض تسوية حسب مضمون القرار 242. وفضلاً عن ذلك، فإن اتفاق أوسلو هو إدارة الحكم الذاتي الذي لا يستقيم إلا في ظل هيمنة صهيونية شبه مطلقة، وهذا الاتفاق الذي يشكل استجابة كبيرة للإملاءات والشروط الصهيونية بضم القدس، والتغاضي عن المستوطنات، وإعطاء الأولوية للكيان الصهيوني لكي يحدد المناطق الأمنية والاحتفاظ بحوالي 60 % من أراضي الضفة الغربية، مما يجعل حياة الفلسطينيين وفقاً لهذا الاتفاق مرتهنة للكيان الصهيوني في جميع المجالات الأمنية والاقتصادية والإدارية والمالية، ويجيز السيادة على الأرض والشعب. كما ان اتفاق اوسلو الذي قبلت به قيادة عرفات على أساس الإعتراف بوجود الكيان الصهيوني وشرعية اغتصابه لفلسطين، يسلم بشرعية وجود الكيان الصهيوني على أكثر من 80 % من فلسطين، ويجعل هذه القيادة تتنازل عن الحقوق السياسية والمصالح الأساسية للشعب الفلسطيني، حيث رضيت بتمثيل سكان غزة وأريحا مقابل التنازل عن سكان الأراضي المحتلة العام 1948، والتسليم بتشريدهم لمصلحة الكيان الصهيوني، وسكان الأردن لمصلحة النظام في الأردن، وسكان الشتات لمصلحة الشيطان، من دون أن تمتلك قيادة عرفات أية ضمانات برحيل الاحتلال عن الضفة الغربية، حيث تجري عملية تهويد القدس وتكثيف الاستيطان، دون عودة أوحل مشاكل الفلسطينيين الموزعين في مختلف الأقطار العربية وأرجاء الدنيا .‏
إن المستقبل العربي لا يمكن أن تقوم له قائمة في ظل استمرار الكيان الصهيوني الذي لا يكتفي بابتلاع الأرض وتهويدها، وإنما يعمل باستمرار على ضرب كل مقومات الإرادة العربية. والكيان الصهيوني يعتمد في بقائه، على استمرار التبعية والتخلف و تفاقم مشكلة التجزئة في الوطن العربي، حيث أنه لا يمكن مواجهته إلا في سياق مشروع قومي ديمقراطي نهضوي للأمة، و لا سبيل لتحرير فلسطين غير هذا السبيل .‏
أما فيما يتعلق بدعوى الحوار مع العدو الصهيوني والتي تخدم التطبيع معه، ويتساوى فيها كل الذين يتحاورون سواء الذين يتعاملون مع المؤسسة الرسمية الصهيونية أو مع الحركات والاتجاهات، حملة اسماء تجمعات من أجل الديمقراطية والسلام وحملة لافتات اليسار، فالعبرة ليست باللافتة ولكن العبرة بمدى قبول الصهاينة بتحرير التراب العربي الفلسطيني من النهر إلى البحرعاملا غير منقوص. ولم نسمع حتى الآن عن ديمقراطي أو يساري أو داعية للسلام صهيوني أعلن قبوله بعودة التراب العربي إلى أهله، وغاية ما يمكن أن يطرحه بعضهم هو بناء الكيان الصهيوني مع السماح بكيان فلسطيني هزيل أو بحقوق مواطنة غير كاملة للعرب تحت السلطة الصهيونية. والصهاينة يجيدون تقسيم الأدوار وكلهم متشددون وغير متشددين أو حمائم وصقور، وجهان لعملة واحدة هي العملة الصهيونية العدوانية العنصرية الاستيطانية .‏
إن المغالطة التي يروج لها دعاة التطبيع والحوار مع بعض الاتجاهات الصهيونية التي قد تبدو غير متشددة هي مراهنتهم على إحداث شروخ في الكيان الصهيوني، وجوهر هذه المغالطة هو أن طبيعة التركيب الصهيوني تسمح بالإختلاف وتعدد الآراء والمناهج ولكن ضمن سقف محدد وحديدي هو بقاء واستمرارهذا الكيان، ومن ثم فإن أولئك المتحاورين يسلمون مسبقاً ببقاء الكيان الصهيوني وضياع حق الشعب الفلسطيني في كامل ترابه.‏
3-شارون و التمسك بالعقيدة الصهيونية‏
أثبتت الانتفاضة الفلسطينية الباسلة منذ انطلاقتها في 28 أيلول/ سبتمير 2000، حقيقة أن هناك تماثلاً قائماً بين السفاحين آرييل شارون وإيهود باراك و أن لافرق بينهما، إذ برهن هذا الأخير عن أنه وجه آخر لشارون ونسخة طبق الأصل عنه في كل ما يتصل بمواصفاته وسلوكه كإرهابي عنصري ورجل حرب وعدوان .‏
فالانتفاضة الفلسطينية أسقطت مقولة أن حزب الليكود يمثل جناح الصقور، وأن حزب العمل يمثل جناح الحمائم، حيال ما يسمى عملية السلام، والحقوق الفلسطينية والعربية الثابتة. فلا خلاف بين شارون وباراك لجهة عدائهما للحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، واستخدامهما التقتيل الوحشي ضد الفلسطينيين، وترويعهم بالارهاب والقمع والتنكيل، وإشعال المنطقة كلها بالحرب الإقليمية، أو بالحروب الصغيرة على أكثر من جبهة في المنطقة وصولاً إلى سد أسوان وحتى إيران .‏
وهنا نرى من الضروري أن نؤكد أنه في ظل هذا المناخ المتطرف العدواني لدى المجتمع الصهيوني بمعظمه، وليس لدى قياداته السياسية فقط، أن شارون وباراك ليسا معنيين بعملية السلام، بقدر ما هما معنيان بالدفاع عن الدور والوظيفة للكيان الصهيوني كثكنة عسكرية استيطانية متقدمة في قلب الأمة العربية، وعن طبيعة العقيدة الصهيونية، وهي طبيعة عنصرية عدوانية، تقوم على أساس الاغتصاب والحرب باسم تحرير الأرض، ورد العدوان، والانتقام. وإذا كانت الأدبيات الصهيونية تؤكد هذه الأطروحات، فإن ممارسات الدولة الصهيونية، منذ قيامها حتى الآن، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك هذه الحقيقة.‏
ويستطيع من يقرأ مذكرات القادة الصهيونيين بن غوريون ،و شاريت ،و دايان ،و آلون، غولدا مئير الخ أن يلمس هذه الحقيقة بوضوح. والقيادات الصهيونية نتيجة لذلك، لا تفكر إلا بالحرب والانتقام، وبحشد القوى، وباستغلال الفرص لتوجيه الضربات، وليس بالسلام مع العرب و الفلسطينيين. ونقدم هنا بعض الاقتباسات المنقولة عن مذكرات موشي دايان :‏
يقول شاريت : » أنه ذهب لمقابلة رئيس الدولة بن زفي في‏
11/10/1953، وكان شاريت وزير الخارجية، وقد سجل في مفكرته ذلك اليوم ما يلي : وبن زفي أثار كالعادة بعض المسائل الموحي بها، والتي لا غرض لها، مثل : هل لدينا فرصة لاحتلال سيناء ؟ وكم سيكون رائعاً أن تبدأ مصر هجوماً نستطيع أن نصده، ثم نتبعه بغزو الصحراء، وقد شعر باستياء شديد، عندما أخبرته بأن المصريين لا يبدون أي ميل لأن يجعلوا مهمة الاحتلال هذه سهلة لنا، عبر استفزاز دولي من جهتهم « ليفياروكاش : الإرهاب الإسرائيلي - المقدس ص 41 « .‏
ويذكر شاريت بعد الهجوم على نحالين ليلة 28/3/1954 أنه تحدث مع تيدي كوليك مساعد رئيس مكتب رئيس الوزراء، ورئيس بلدية القدس فيما بعد وأن شاريت قال لـه » ها نحن قد عدنا إلى نقطة البداية، أترانا نتجه إلى الحرب، أم أننا نريد تجنبها «. ويضيف شاريت : » في رأيي إن قيادة الجيش مشبعة بالتعطش الى الحرب « » المرجع السابق ص 73 « .‏
ويذكر شاريت بعد الهجوم عل قاعدة للجيش الأردني في عزوي يوم‏
27/6/1954 » أن تقارير السفارات الأميركية في العواصم العربية، التي جرت دراستها في واشنطن ولدت لدى وزارة الخارجية الأميركية الاقتناع بوجود خطة "إسرائيلية" للعمليات الانتقامية التي تنفذ استناداً إلى جدول مواعيد موضوع مسبقاً وبأن هدف هذه الخطة هو التصعيد الثابت للتوتر، وصولاً إلى الحرب «. ويصف شاريت » أن الدبلوماسية الأميركية مقتنعة بأن نية " اسرائيل" هي تخريب المفاوضات الأميركية مع مصر، وكذلك مع العراق وتركيا وهي المفاوضات الهادفة إلى إقامة تحالفات موالية للغرب « المرجع السابق – ص 75 « .‏
ويسجل شاريت يوم 26/5/1955 وهو يعلق على ما قاله دايان : » قال دايان. . إن العمليات الانتقامية التي ما كان باستطاعتنا تنفيذها لو كنا مقيدين بحلف أمني » أي من الولايات المتحدة الأميركية، هي شرياننا الحياتي. أولاً : لأنها تجبر الحكومات العربية على اتخاذ إجراءات شديدة لحماية حدودها. وثانياً: وهو الأمر الرئيس، لأنها تمكننا من الحفاظ على مستوى عال من التوتر بين مواطنينا وفي الجيش. ودون هذه العمليات سنتوقف عن كوننا شعباً مقاتلاً سوف نضيع إذا لم نتمتع بانضباط الشعب المقاتل .‏
ويضيف شاريت » والإستنتاجات من كلمات دايان واضحة ليس لهذه الدولة وما يقلقها دولياً، وليس لها مشاكل اقتصادية ومسألة السلام غير موجودة ». . « عليها أن تحسب خطواتها بأفق ضيق وأن تعيش بالسيف. عليها أن ترى في السيف الأداة الرئيسية، إذا لم تكن الوحيدة، التي تمكنها من الإبقاء على معنوياتها عالية، ومن المحافظة على توترها الأخلاقي ولتحقيق هذا الهدف يجب على الدولة أن تخترع الأخطار، ولفعل ذلك عليها تبني منهج الاستفزاز‏
والثأر (.. ) .‏
وقبل كل شيء نأمل بحرب جديدة مع البلدان العربية، بحيث يمكننا أخيراً أن نتخلص من مشاكلنا، ونحتل مجالنا. ومن الأمثلة على زلات اللسان قول بن غوريون نفسه أن الأمر يستحق دفع مليون جنيه لعربي ما لكي يبدأ هذه‏
الحرب« - المرجع السابق ص 95 – 96 « .‏
ويمكن إيراد المزيد من الاستشهادات لتأكيد هذا الخط الصهيوني، الذي أكدته الوقائع، بما لا يدع مجالاً للشك، ومع ان شاريت من قادة هذا الخط، ومن مؤسسيه، فإنه لا يملك إلا ان يبدي ضيقاً داخلياً أحياناً. وقادة الكيان الصهيوني اليوم شارون وباراك وبيريز، هم تلاميذ بن غوريون ودايان ومئير وشاريت، ولم يثبتوا أنهم يعرفون غير هذا الخط .‏
ويقوم هذا الخط أساساً على المقومات التالية :‏
أولاً - الاستعداد للحرب، باعتبار القوة هي العامل الحاسم، وباعتبار كل العرب عدواً، لا الأقطار المجاورة للأراضي المحتلة فحسب، وعلى أساس أن أجواء الحرب تبقي المستوطنين الصهيونيين الغزاة في حالة توتر دائم. ولا بد لإعطاء التوتر مصداقيته من افتعال معارك، هنا وهناك، صغيرة وكبيرة. وتظل سياسة الانتقام والتعطيش جزءاً هاماً في السياسة، كما تظل سياسة العدوان والتوسع ركناً أساساً فيها. وعليه شهد الوطن العربي، منذ نهاية الأربعينات حتى الآن غارات صهيونية على الحدود، وداخل الأراضي العربية، كما شهد خمس حروب كبيرة في سنوات 48 – 49، و56، و 67، و73، و82 .‏
وعلى الرغم من كل التطورات العالمية، بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، وحرب الخليج الثانية، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام، فإن السياسة الصهيونية لم تتغير، والأهم من ذلك أن السياسة الرسمية العربية انتقلت من الرفض الرسمي والشكلي لوجود الكيان الصهيوني إلى سياسة الاعتراف به، وتوقيع اتفاقيات سلام معه : كامب ديفيد، أوسلو، وملحقاته، وادي عربة. ومع ذلك فإن السياسة الصهيونية لم تتغير، بل احتفظت بعنفها وشراستها، إن لم نقل إنها ازدادت عنفاً وشراسة وعدوانية في ظل الإنتفاضة الباسلة للشعب الفلسطيني منذعامين .‏
ثانياً - العمل على تدمير الوطن العربي، لا على إقامة سلام معه، والسبب أن القيادات الصهيونية الحاقدة والتي ارتكبت جريمة طرد شعب من أرضه، ترى أنها لا تستقر، دون تدمير الوطن العربي بأكمله، لأن نهضة الأمة العربية، وتحقيق وحدتها، سيقلب ميزان القوى لمصلحة العرب. ولذلك يجب أن يفكك وجود الأمة، وأن تستنزف قواها ؟ كيف ؟ بإثارة التناقضات مع الأمم المجاورة، الإيرانيون، والأحباش، والأكراد، وإشعال حروب مزمنة مع هذه الأمم، ثم وفي آن معاً، بإثارة التناقضات الداخلية، وإشعال حروب طوائف وحروب قبائل لا تنتهي. وفي الوطن العربي الآن، وعلى حدوده ما يكفي من الوقائع والدلائل، وعلينا أن ننتظر المزيد .‏
إن تدمير وجود الأمة العربية كليا، هو الذي يشفي غليل القادة الصهيونيين، ويحقق أهداف مخططاتهم، وحين يقتل العربي أخاه، ويمثل به، ويقتل مسلحو طائفة أبناء طائفة أخرى، وينهكون أعراض نسائهم، وتثور نزاعات لا تتوقف لأي سبب، وتشتعل حروب مثل حرب داحس والغبراء والبسوس، تقر عيون القيادات الصهيونية، ويقيمون » سلاماً « مع قادة طائفة ضد طائفة أخرى، ومع أقلية ضد شعب، ومع جهة ضعيفة ضد جهة أقوى، وهكذا. . وهذا هو » السلام « الذي ينشدون .‏
ثالثاً - السعي لتعطيل أي عملية » سلام « تستهدف حلاً للصراع العربي الصهيوني قبل أن يتحقق الهدف الصهيوني العام، وهو إشعال الحرائق في الوطن العربي، وتفكيك أوصاله وتحويله إلى طوائف وقبائل متحاربة منهكة، لأن القيادات الصهيونية ترى أن أي » سلام « قبل ذلك سوف يكون هدنة يستعيد العرب فيها قواهم ليشنوا حرباً جديدة. ولذلك فإن السياسة الصهيونية تحتل وتحاول ابتزاز تنازلات وتثير فتنا وتحاول فرض اتفاقيات، ولكنها في النهاية تريد تهويد كل فلسطين، ووطناً عربياً مفككاً ومنهكاً، وطوائف متناحرة تحقد كل منها على الأخرى، والهدف أن تفرض السياسة الصهيونية استسلاماً كاملاً شاملاً، يحقق كل الأهداف الصهيونية .‏
ولما كانت القيادة الصهيونية تعرف أن الخطر القادم، سيأتي من الجماهير العربية، فإنها تقبل استسلام الدول العربية، ولكنها لا تعتبره كافياً، إن لم تستسلم الجماهير، وما يجري الآن هدفه إخضاع الجماهير أساساً .‏
وهكذا تنشأ مفارقة، فالقيادة الصهيونية تعمل لسلامها الخاص، الرامي إلى إخضاع كل العرب، بحرق الوطن، وتفكيك الأمة، وهي أي القيادة الصهيونية تعد للحرب والتفوق العسكري وتخطط لمزيد من الاحتلال، وتسعى لإثارة الفتن وتوسيع نطاق سياسة الانتقام، والعدوان والتوسع. أما القيادات الرسمية العربية و الفلسطينية، فإنها تعمل لسلامها الخاص أيضاً، وهو سلام الضعفاء أمام الأقوياء، سلام الذين يريدون أن يتخلصوا من الصراع العربي الصهيوني، ليحكموا سعداء، وليتفرغوا لإخضاع جماهيرهم. والدول العربية عموماً لم تثبت أنها تعد قواها وجيوشها لمحاربة الكيان الصهيوني، وهي أي الدول العربية بوضعها الحالي، وبالإشكالات التي تعم الوطن، وعلى حدوده، ليست مهيأة للحرب فعلاً. .‏
ومع ذلك، فإن هذه الدول، تقدم كل البراهين أنها مستعدة للإستسلام، فهي من جهة لا تبني قوى وجيوشاً قادرة على الحرب، إلا باستثناءات لا تذكر، وهي تسهم في افتعال الإشكالات التي تديم الإحتلال القائم في الوطن العربي. وماذا يريد العدو الصهيوني أكثر من ذلك ؟ .‏
إن القبضة الحديدية الصهيونية، سواء في ظل حكم باراك أو شارون، تؤكد عزمها على خوض حرب تدميرية ضد الشعب الفلسطيني، وعلى التهيئة لحرب قادمة في المنطقة. فمن يستطيع ان ينكر ذلك ؟ ومن يستطيع ان يرد ؟ ويظل الرهان الحقيقي الذي يجب على العرب أن يقيموه هو خيار الإنتفاضة الباسلة للشعب الفلسطيني، بوصفها خياراً إستراتيجيا للمقاومة، مدعوماً بتضامن ودعم عربي فعال، يصون القضية الفلسطينية من خطر التصفية.‏
الهوامش:‏
(1 )-عماد جاد, القضية الفلسطينية و تداعيات الحادي عشر من سبتمبر, مجلة السياسة الدولية الفصلية, التي تصدر عن مؤسسة الاهرام – القاهرة, العدد 147, يناير‏
2002 , (ص105 ).‏
(2 )-نعوم تشومسكي- الولايات المتحدة بين الافراط في القوة و في السيطرة- الإرهاب سلاح الاقوياء, صحيفة لوموند ديبلوماتيك الشهرية- النسخة العربية التي تصدرها المؤسسة الصحفية الاردنية-الرأي, كانون الأول/ديسمبر 2001, (ص11 ).‏
(3 )-فريد هاليداي- الاسلام و الغرب – خرافة المواجهة, دار الساقي – لندن- الطبعة الاولى 1997,(ص 41 –42 ).‏
(4 ) المعاهدة الدولية لمكافحة تبييض اموال الإرهاب, نيويورك, 9 كانون الأول /ديسمبر 1999.‏
(5 )- جون براون – مخاطر التعريف بالارهاب – صحيفة لوموند ديبلوماتيك , فبراير/شباط 2002 (ص 3 ).‏
(6 ) ديفيد ديوك- أمريكا – اسرائيل و 11 أيلول 2001- ترجمة سعد رستم- دار الاوائل , دمشق- الطبعة الأولى 2002, (ص8-11 – 13 ).‏
(7 )- .عبد الوهاب المسيري – نهاية التاريخ – دراسة في بنية الفكر الصهيوني – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – الطبعة الأولى حزيران 1979 (ص 105) .‏
(8 )- المرجع السابق عينه (ص 40 ) .‏
(9 )-جورجي كنعان – وثيقة الصهيونية في العهد القديم – الطبعة الأولى نيسان 1977 (ص 101 ) .‏
(10 )- والتر لاكبر (محرر) قراءات في الصراع العربي – الإسرائيلي تاريخ وثائقي لصراع الشرق الأوسط (نيويورك فهانتايم – بوكس 1969 ) (ص125 ) .‏
(11 )- إسماعيل راجي الغاروفي – أصول الصهيونية في الدين اليهودي – القاهرة – معهد البحوث والدراسات العربية 63/1964) (ص155) .‏
(12 )-.عبد الوهاب المسيري – مصدر سابق (ص46) .‏
(13)- .جورجي كنعان – مصدر سابق (ص44 – 45) .‏
(14 )-.عبد الوهاب المسيري – مصدر سابق (ص 111) انظر أيضا تدهور اليهودية (ص100).‏
(15 )- المصدر سابق (ص 108) .‏
(16 )- الصهيونية تعني الإرهاب – تأليف سرج سيدوت – ترجمة عدنان برنية – جريدة تشرين تاريخ 9/4/1984.‏
(17 )–.عبد الوهاب المسيري – مصدر سابق (ص114).‏
(18)- المصدر السابق – (ص 119 ) .‏

الصهيونية والنازية

هيئة الأمم المتحدة U.N بصدد إقرار مشروع يقضي "بتجريم" كل من ينكر أو يتطاول على ما عرف "بالمحرقة النازية"(Holocaust ) لليهود خلال الحرب العالمية الثانية بل وتتهمه "بمعاداة السامية" كما يحلو للصهيونية العالمية إلصاق هذه التهمة بأي أحد اذا ما انتقد السياسة الاجرامية لإسرائيل حتى ولو كان هذا من الساميين أنفسهم. إن عصبة الأمم التي حلت محلها هيئة الأمم المتحدة ـ قد أصدرت آخر تقرير لها حول عدد اليهود في العالم سنة 1938 وقدر بحوالي عشرة ملايين يهودي ثم جاء أول إحصاء أصدرته الأمم المتحدة عام 1947م وقدر بأحد عشر مليوناً.
فأين إذن الملايين الستة من اليهود الذين أحرقوا في الهولوكوست؟
وإذا ما أخذنا بالاعتبار الزيادة الطبيعية التي يمكن أن تطرأ على اليهود بنسبة 2% فإنهم سيزيدون ما بين 30 و 40 ألف نسمة خلال هذه السنوات، هذا ما أرادته وادعته الصهيونية العالمية من أجل ابتزاز ألمانيا والمجتمع العالمي كله.
الأمم المتحدة ذاتها أصدرت قراراً باعتبار الصهيونية حركة "عنصرية فاشية" بعدما شاهدت جرائم ومجازر اسرائيل ابتداء من "دير ياسين" مروراً "بقبيه" و"يطه" و"السموع" و"خان يونس" إلى صبرا وشاتيلا وهي ذاتها الأمم المتحدة التي سحبت القرار وألغته بعدما نجحت جهود "جماعات الضغط" اليهودي المعروفة "باللوبي" الصهيوني داخل الكونجرس الأميركي والتي يسيطر عليه الاصوليون المسيحيون حيث أملت الولايات المتحدة ارادتها على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي كله.
الصهيونية مذهب سياسي استعماري عنصري
منذ الإعلان عن تأسيس الحركة الصهيونية ـ التي نسبت نفسها ـ الى جبل "صهيون" في القدس بفلسطين ـ أرض الميعاد ـ وهي خرافة أخرى من خرافاتها وحتى في المؤتمر الصهيوني الأول في "بازل" عام 1896م كانت تعلن عن نفسها بأنها تهدف الى جمع شتات يهود العالم.
بعدها اصبح مصطلح الصهيونية مرادفاً للحركة السياسية التي أسسها "ثيودور هرتزل"، هذا ما نشرته موسوعة الصهيونية واسرائيل ـ نيويورك 1971م أما الحاخام كوهين فقال في كتابه "التلمود" الذي نشر في باريس 1986م "يمكن تقسيم سكان العالم الى قسمين اسرائيل من جهة والأمم الأخرى مجتمعة من جهة أخرى فإسرائيل هي الشعب المختار وهذه عقيدة أساسية".
جرائم عنصرية
إنها قمة العنصرية وقد مارستها اسرائيل بعد قيامها بشهور قليلة.
ففي 10/11/1948م أصدرت اسرائيل قانون "أملاك الغائبين" للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم وطردهم قسراً من وطنهم وتولى "مناحم بيجن" زعيم عصابة الأرجون، و"موشى ديان" قائد الوحدة "101" ومن بعده "ارئميل شارون" تنفيذ المجازر ضد العرب المسلمين لتحرير الأرض.
وفي عام 1975م عرض "اسرائيل شاحاك" في كتاب له قائمة بأسماء 385 قرية عربية دمرتها الجرافات عن آخرها من بين 475 قرية عربية كانت تحت يد اسرائيل منذ عام 1948م.
وهل يجب علينا التذكير بمجازر "مدرسة بحر البقر" في مصر "وقانا" في جنوب لبنان وما يجري من حصار وتجويع وقتل لمليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة على مرأى وسمع العالم وهيئاته ومؤسساته وهذا الجدار العنصري يتلوى وينخر في جسد الأرض العربية في الضفة الغربية وأمام عجز وصمت الأنظمة العربية والدولية وأخيراًُ وليس آخرا"ًالمناداة" بأن اسرائيل دولة يهودية.
من "رحم" الصهيونية هذه خرجت عدة "خرافات" وأكاذيب "أرض الميعاد" و"شعب الله المختار" و"التطهير العرقي" وربطوها بقراءات ذاتية لنصوص مزورة من كتبهم ثم خرجوا بأكذوبة أرض بلا شعب عن فلسطين ثم اسطورة الهولوكوست.
الهولوكوست
الهولوكوست: كلمة يونانية تعني "حرق القربان بالكامل" وكانت في الأصل مصطلحا دينيا يهوديا يشير الى القربان الذي يقدم للرب على سبيل التضحية ثم يحرق تماما على المذبح.
أما في العصر الحديث أصبحت تعني "الابادة الجماعية لليهود على أيدي النازيين" وربما المقصود من الكلمة تشبيه الشعب اليهودي بالقربان والذي حرق تماماً لأنهم "شعب الله المختار".
هذا تعريف الكاتب "محمد هشام" في ترجمته لكتاب "الاساطير الموسسة للسياسية اليهودية دار الشروق ـ للكاتب روجيه جارودي" اذن استخدمت اسرائيل كلمة ذات مدلول لاهوتي "الهولوكوست" لاضفاء صفة وطابع التضحية على المذابح الحقيقة من أجل التموية والتعمية لتحقيق أهدافهم باحتلال فلسطين وطرد سكانها الأصليين.
وقد تعمدت الصهيونية التهويل والمبالغة في اعداد ضحايا "الهولوكوست" وتعمدت ايضا ابتكار واختراع أسماء معسكرات اعتقال لليهود في البلاد التي سيطر عليها الألمان خلال الحرب العالمية الثانية: وكان أشهرها جميعا معسكر "اوشفيتش" في بولندا التي احتلها الالمان ... ومعسكر "داخاو" و"ماجدانيك" وغيرها التي لم تكن سوى مستودعات ومخازن مهجورة نائية بل إنهم اعتبروها أكبر عملية ابادة في التاريخ ليقوموا بعملية ابتزاز "شيلوكيه" من المانيا وغيرها بحجة تعويضات عن هذه الابادة، ومازالوا الى اليوم يبتزون المانيا تكفيرا لها على جريمتها الفظيعة بل وصل بهم الأمر الى اعتبار "أن الإنسانية جمعاء شريكة في أكبر عملية إبادة في التاريخ"، لم تتورع قوى الضغط الصهيونية عن استخدام وسيلة لبلوغ أهدافها من الضغط المالي الى الابتزاز ومن مقاطعة وسائل الإعلام الى التهديد بالقتل.
لقد تمتع الصهاينة بنفوذ قوي في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1942 بعد مؤتمر "يلتيمور" وتدفقت الأموال الهائلة على اسرائيل من التعويضات الالمانية والنمساوية ومن المعونات الامريكية غير المشروطة ومن تبرعات اليهود، فقد قدمت الولايات المتحدة الامريكية 28 مليار دولار مساعدات اقتصادية وعسكرية خلال عقد من الزمان (1984¬ 1994).
(أكبر عملية ابادة)
وإذا كانت الإنسانية شريكة في أكبر عملية ابادة في التاريخ لماذا سكتت الإنسانية عن ابادة أكثر من 18.5 مليون من السكان الأصليين للأميركتينNatives على أيدي المستوطنين الأوربيين الزاحفين من أوربا؟ والذين تم قتلهم بدم بارد وبطرق لا إنسانية «زرع الجراثيم والميكروبات» في الملابس التي كانوا يوزعونها على السكان الأصليين؟ولماذا سكتت الإنسانية عن ضحايا الحرب العالمية الأولى؟ وماذا عن ضحايا الحرب النازية من غير اليهود؟ ماذا عن 18 مليون سوفيتي قتلوا. وغيرهم من الفرنسيين والانجليز والأوروبيين بل ماذا عن ضحايا «هيروشيما» و«ناجازاكي» ولماذا تسكت الإنسانية عن الآلة الصهيونية الاسرائيلية وهي تقتل كل يوم العشرات من الفلسطينين في نزيف لم يتوقف منذ الإعلان عن قيام اسرائيل.. هل لأنه من حق اسرائيل أن تدافع عن وجودها؟ كما يقول الرئيس بوش.. أم أنهم شعب الله المختار.
اختلاف الأرقام وتغييرها
اختلفت أرقام ضحايا «الهولوكوست» من اليهود على يد النازيين من مصدر الى آخر فقد بلغت 9 ملايين يهودي في فيلم «الليل والضباب» و8 ملايين في كتاب «وثائق عن تاريخ الحرب» و4 ملايين طبقا للتقرير السوفيتي و2 مليون نسمة قدرها المؤرخ «ليون بولياكوف» في كتابة صلوات الكراهية، ومليون 250 الفا، هذا طبقا لما ذكره المؤرخ راؤول هيلبرج في كتاب القضاء على يهود أوربا أورده روجيه جارودي في كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسية الاسرائيلية» بل خفض هذا الرقم الى 300 الف عند الكاتبة «ليا روش» في كتابها الوفيات في ظل الرايخ الثالث.
ليست أرقام الضحايا هي التي تباينت اعدادها.. بل إن طرق القتل والابادة التي استخدمت اختلفوا في أنواعها.. من إطلاق الرصاص على العسكريين أو المتهمين بتهم عسكرية.. أو الصعق بالكهرباء، كما حدث في بولندا أو غرف ابخرة حارقة الى استخدام الجير النشط داخل شاحنات واستخدام غاز «زيكلون» وأخيراً غرف الغاز «المحرقة».
لقد جرى تغيير هذه الأرقام حسب ما تقتضيه مرحلة تنفيذ الصهيونية لمخططاتها: مثلا تغيرت اللوحة الموجودة على مدخل معسكر «أو شفتش» بيركناو¬ والتي كان مكتوبا عليها أن عدد الضحايا 4 ملايين وضعت لوحة جديدة كتبت عليها أن عدد الضحايا مليون فقط، كما تغيرت اللوحة الموضوعة على غرفة الغاز في معسكر «داخاو»، ووضعت لوحة جديدة كتب عليها «إن هذه الغرفة لم تستخدم في الابادة على الإطلاق» وفي ساحة» فيلو دروم ويفر» كتب أن عدد اليهود الذين اعتقلوا هناك هو 30 الفا وتغيرت اللوحة وحلت محلها لوحة جديدة كتب عليها أن عدد اليهود الذين اعتقلوا هو 8160 شخصا فقط.
صهيونية ونازية
صورت وسائل الإعلام الصهيونية أنها على خلاف وعداء مع النازية التي قامت «بالمحرقة»، وواقع الأمر أنها كانت على وفاق تام معها وتعاون فقد التقت مقولة «النقاء العرقي» الجرماني مع النقاء العرقي اليهودي وهذا ما جعل «الفر د روزنبرج» ابرز مفكري النازيين يكتب في كتابه «آثار اليهود على مر العصور ¬ ميونخ 1937م» يجب دعم الصهيونية بكل قوة حتى يتسنى نقل مجموعة كبيرة من اليهود الألمان الى فلسطين سنوياً. إن «اسحق شامير» الذي كان يفاخر بأنه كان حليفا لهتلر يقول في مذكراته:( النظر الى الوراء والنظر الى الأمام) «ص 574 عام 1987م» (خلافا للرأي الشائع لم تكن الغالبية العظمى ممن هاجروا الى اسرائيل بقايا النازحين من المذابح النازيه¬ بل كانوا بالأحرى من يهود البلاد العربية وسكان المنطقة الأصليين). «ادولف أيخمان (1906 ¬ 1962م) أحد رموز النازيه البارزين والضابط في فرق الصاعقة الألمانية¬ والذي شارك بدور كبير في التخلص من يهود أوربا ¬ بالابادة والتهجير كما تدعي الصهيونية كان من القلائل الذين هربوا ونجوا من محكمة «نورمبرج» عقب الحرب العالمية الثانية ¬ الى الارجنتين في امريكا الجنوبية، وغير اسمه وبدل شكله حتى عثرت عليه المخابرات الإسرائيلية «الموساد» وتم اختطافه وتهريبه الى القدس حيث وضع مخدراً في صندوق طيلة رحلة الطائرة بتواطئ طاقمها، بطريقة تعجز عنها عصابات المافيا¬ ليحاكم على عجل في عام 1961م ويعدم عام 1962م ويدفن معه الكثير من الاسرار عن طبيعة العلاقة بين النازية والصهيونية. روجيه جارودي¬ المفكر الفرنسي ¬ الذي جاوز الثمانين ¬ كتب مجموعة كتب ينتقد فيها «التزمت» منها: عظمة الإسلام وانحطاطه سجل فيها مقولته التأسلم داء الإسلام، وكتابان آخران عن التزمت في الكنيسة الكاثولوكية هما «هل نحن بحاجة الى الله» ونحو «حرب دينية» لم يعترض عليه أحد.. ولما أصدر كتابه الأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية لوحق وطورد وصودرت كتبه بل وحوكم مع زميله القس المسيحي «لولون» ولوظفروا به بالنمسا لعلقوا رأسه وطافوا به شوارعها؟ وها هي مستشارة المانيا الاتحادية «انجيلا ميركل» تحج إلى الكيان الصهيوني معلنة التزامها القوي بأمن إسرائيل وتؤسس لشراكة حيوية بين ألمانيا والكيان الصهيوني في كافة المجالات، كما قامت بزيارة نصب ضحايا «المحرقة» وقدمت الاعتذار عما ارتكبه أسلافها واجدادها ووضعت باقة من الزهور في منظر مؤثر تخنقها عبرات الندم، ولم تزر الأراضي الفلسطينية بل لم تشر أي إشارة إلى الهولوكوست الحقيقي في غزة...!! لأن من حق إسرائيل أن تدافع عن أمنها!! وتبعها المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية بساعات قليلة «جون ماكين» يستجدي أصوات يهود نيويورك من أصحاب القرار في تل آبيب بطريقة ذليلة واعتمر «طاقية» الغفران وبكى أمام حائط المبكى «البراق» وزار مغتصبة «سديروت» وواسى أهلها الذين لم يمت منهم أحد، وأعلن أنه على استعداد لنقل سفارة الولايات المتحدة إلى.... القدس!! هل تظنون أنهم يقومون بذلك «إيمانا» بحق إسرائيل في الوجود؟!! أم حبا باليهود؟ انها حرب صليبية جديدة كما أعلنها رئيس أكبر وأعتى دولة في العالم!! بل هي ليست «حوار ثقافات» بقدر ما هي «صراع حضارات» كرها للمسلمين وحقدا على الإسلام.