الأربعاء، 27 مايو 2009

ملامح من الإرهاب الصهيوني

سبق أن قمنا وفي العديد من مقالاتنا بتناول موضوع الخلط الشائع لدى قطاعات شعبية عريضة ولدى مجتمعات النخبة العربية بحد ذاتها بين (الصهيونية) و(اليهودية) من دون التمييز بينهما، حيث نرى المثقف ذا الميول القومية والإسلامية والوطنية يلتقي مع فئة المتلبرلين العربان الجدد في كون أن اليهودية هي ذاتها الصهيونية ولكن باختلاف النوايا والمقاصد بين الطرفين المثقفين المتضادين.

ومما لا شك فيه فإني أرى أن ذاك الخلط الشائع الذي أصاب الجميع، والذي بات أحياناً وللأسف حالة معولمة ذات نطاق عالمي قد أسهم بشكل فارق وكبير في تشويه وتحريف العديد من المفاهيم والرؤى والمواقف حيال العلاقة بين الصهيونية كأيديولوجية قومية وعنصرية واستعمارية غربية فكراً بامتياز وتستند على فكرة إقامة وطن قومي لليهود في الأرض الموعودة (فلسطين) من جهة وبين اليهودية كديانة سماوية رحبة في نصوصها وشروحاتها وأركانها المتعددة من جهة أخرى. وقد كان أبرز من دعا إلى ضرورة التفريق ما بين اليهودية والصهيونية من أجل قيادة المعركة المصيرية في الاتجاه الصحيح هو المثقف الموسوعي والخبير الأبرز في شئون اليهود واليهودية والصهيونية في العالم العربي ألا وهو الدكتور عبدالوهاب المسيري الذي أثرى المكتبة العربية بمؤلفاته ذات المحتوى الفكري والمعرفي العميق حول الشأن اليهودي والصهيوني والتفريق بينهما باعتبار أن الصهيونية تقوم بتدبيج مقاصدها وأهدافها الاستعمارية بشعارات ومصطلحات ومفاهيم دينية توراتية/ تلمودية متعددة بهدف إيهام أكبر عدد ممكن من الناس سواء أكانوا يهوداً فيعتنقونها أم أغياراً فيعتبرونها هي واليهودية وجهان لعملة واحدة بصورة تحمل كثيراً من الحيف والظلم المبني على أسس غير سليمة والجاهل لوجود آيات كثيرة في بطون المجلدات والكتب اليهودية المقدسة المتنافية بحدية وشدة مع الأهداف الصهيونية الأولية.

وحتى ندلل على مثل هذا التنافي والاصطدام بين الديانة اليهودية والأيديولوجيا الصهيونية لا بد لنا من أن نستشهد بالمقولة الشهيرة والتي تمثل جوهرة روح الصهيونية لأحد أبرز القادة الصهيونيين وهو ديفيد بن غوريون، والذي يعد أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني وهو الذي قام بتلاوة بيان إعلان قيام دولة "إسرائيل" على الأرض الفلسطينية المغتصبة ، حيث يقول بن غوريون بمنتهى الصراحة وذلك أثناء اجتماع للعمال الصهاينة في بريطانيا العظمى في عام 1938م «لو كنت أعلم بأنه سيكون من الممكن إنقاذ جميع الأطفال (اليهود) في ألمانيا من خلال إحضارهم إلى بريطانيا، أو بالإمكان فقط إنقاذ نصف هؤلاء الأطفال (اليهود) من خلال نقلهم إلى أرض "إسرائيل"، فسأختار على الفور الخيار الثاني»، كما يمكننا أن نستشهد بتصريح السيد إسحاق غرينباوم رئيس هيئة الإنقاذ بالوكالة اليهودية مخاطباً المجلس الصهيوني التنفيذي بتاريخ 18 فبراير 1943م «إذا سئلت هل بإمكانك تقديم الأموال من الوكالة اليهودية المتحدة لإنقاذ اليهود؟ سأقول «لا، وسأقول للمرة الثانية لا»، كما أنه أعلن صراحة وفي مناسبة أخرى بأنه وانطلاقاً من صهيونيته الاستعمارية المتقرحة فإنه يرى بأن «بقرة واحدة في فلسطين تساوي أكثر من جميع اليهود في بولندا»!!!

فهل يمكننا أن نمازج بين الصهيونية واليهودية بعدئذٍ، حيث تفضل الأولى (الصهيونية) البقرة الفلسطينية على اليهود البولنديين جميعاً، في حين من المفترض أن ترفع الثانية (اليهودية) من شأن اليهود من دون غيرهم من البشر الأغيار (الغويم) باعتبارهم مؤمنين موحدين وأصحاب رسالة نورانية طاهرة لهداية البشرية؟!! هل يستوي الارتفاع باليهودي مع الانحدار به؟!!

وللأسف فإنه بالإضافة إلى التعميم والدمج بين اليهودية والصهيونية يوجد هناك خطاب آخر يتم تسويقه من قبل البعض عن عمد كالمتلبرلين العربان/ الغربان الجدد حيث يدعو بعضهم إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني المسمى "إسرائيل" كسبيل لإيجاد علاقة حضارية مشرقة بين اليهودية والإسلام لتحويل الشرق الأوسط إلى جنة عدن بالعقلية اليهودية والمال والعمال العرب وهي دعوة قديمة متعفنة مهملة في أضابير وسجلات الداعين إلى التطبيع ((المدفوع الأجر)) مع الكيان الصهيوني .

كما ويدعو آخرون بسذاجة سياسية/ تاريخية ومن دون أدنى وعي إلى إقامة السلام مع الكيان الصهيوني وعقد الاتفاقيات المعسولة/ المغسولة وتطبيع شتى أنواع العلاقات بين مصر والكيان الصهيوني حتى يعود الرخاء والسلام على الجميع مستحضرين في دعواتهم (المعابة عليه) أبعاداً ونفحات تاريخية إسلامية تتمحور وتتموضع في سياق الحديث عن صلح خيبر بين اليهود والمسلمين في المدينة على زمن حبيبنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)!!!! هل هناك سذاجة وخلط وتعميم أكثر من ذلك؟!! يجب لأمثال هؤلاء التعمق في فهم الظاهرة الصهيونية وعلاقتها باليهودية واستلهام مناهج القراءة الموضوعية والعلمية للتاريخ والتعاطي بحيادية مع الشأن السياسي قبل أن يصدروا أحكامهم الشاذة والواهية والمبنية على وهن التبرير أكثر من كونها مبنية على قاعدة صلبة لاجتهاد علمي ومعرفي يليق بالفقهاء والشيوخ والمثقفين والمفكرين وغيرهم، مثلما يليق بمسئولياتهم الكبرى بحق الأمة والدين، عسى أن يخرجوا بأن من يقوم بدعم المخططات والمشاريع الصهيونية الإمبريالية من خلال الدعوة إلى تفعيل وإيجاد آليات التطبيق لأجندة التطبيع مع الكيان الصهيوني هو في الوقت نفسه لا يقوم بدهس أشلاء ودماء الفلسطينيين وقبور شهداء الأمة العربية والإسلامية فقط ، وإنما هو يسهم في امتهان حرمة الدماء اليهودية الطاهرة للأبرياء والمدنيين، والتي تفردت الأجهزة الصهيونية بسفكها أكثر من غيرها وبشكل استغلالي لم يشهد له مثيل في البشاعة، حيث يتحدث الكاتب اليهودي جيرشوم جورنبرج في كتابه الجديد «الأيام النهائية» عن الاستغلال الصهيوني الذي مارسته وتمارسه العديد من الأطراف المتصهينة والمتمصلحة بحق اليهود فيكتب «المسيحيون الصهاينة لا يحبوننا نحن اليهود حباً حقيقياً، وإنما يحبوننا كأشخاص يقومون بأدوارهم في روايتهم، وتستكمل بهم الحبكة الدرامية ومقومات الموضوع الذي يروجون له ويؤمنون به»، وبالإضافة إلى هذا الاعتراف الصريح المنشور مؤخراً تناول موضوع الاستغلال والاضطهاد التدميري الذي قامت به الصهيونية في حق اليهود واليهودية العديد من الحاخامات والمفكرين والمثقفين اليهود المناهضين لتسلط الجلاد الصهيوني، ولعل من أبرزهم الحاخام (Elchonon Wasserman) الذي كتب بمرارة في عام 1938م بأنه «يجب اعتبار الصهاينة بأنهم المضطهدين الرئيسيين للشعب اليهودي، حيث إنه من المحرم أن يتم اللجوء إلى استخدام تلك الأساليب والطرق التي يزاولها الصهاينة!! »، كما أنه كتب في مناسبة أخرى ومن خلال إحدى تأملاته في التوراة بأنه «من المعروف أن الشعب اليهودي عانى دوماً من شيئين وهما: الغرباء على اليهود والأقرباء من اليهود، وهؤلاء الأخيرون (الأقرباء من اليهود ويعني بهم في هذا الصدد الصهاينة من داخل الديانة اليهودية) ساهموا في غرس وتجديد المعاناة اليهودية من خلال التشبث بمخلصيهم المنتظرين المزيفين والذين تم من خلال الإيمان بهم الزعم بتحقق وعد العودة إلى الأرض المقدسة، وستكون ذروة ونهاية ما سينجزونه (الصهاينة) هي في قيام آلاف اليهود بالتخلي عن اليهودية!! ».

وهذا الاستغلال الصهيوني لليهودية، والذي أصبح في أحد المراحل التاريخية ولا يزل اضطهاداً بحق اليهود واليهودية سنتكفل بتناوله في مقالاتنا الأخرى من باب الحديث عن دور الأجهزة الصهيونية في ترسيخ ذلك الاضطهاد والاستهداف لليهود وممارسته بغية تحقيق أهداف أيديولوجية استعمارية أصيلة، بالإضافة إلى أننا سنقوم بتسليط الضوء بصورة أكثر على العلاقة الوثيقة، والتي كانت تربط بين الحركة الصهيونية والنظام النازي في ألمانيا.

(2)
لجأت الصهيونية ولا تزال تلجأ بشكل أساسي إلى التركيز على استثمار ما يسمي ظاهرة معاداة السامية على أحسن وجه، وذلك من خلال تبني الأساليب والمناهج كافة حتى إن كانت قذرة ودموية ليتم فيها تصفية ولو ضحايا يهود أبرياء في سبيل دفع المشاعر والاعتقادات والاعتبارات لدى الفئات والطوائف اليهودية قدماً للاعتقاد والجزم بوجود واقع معاداة السامية أو بالأحرى معاداة اليهود، مما يسهم في تيسير تحقيق أهداف القادة والمخططين الصهاينة على أحسن وجه والمتمثلة في تكريس الروح الانفصالية والانعزالية اليهودية «الجيتوية» وبالتالي يتم قطع الانتماء مع المجتمع المحلي - الخارجي الذي يعيش فيه اليهودي باعتباره مواطناً مع غيره من المواطنين المتعددي الأعراق والثقافات والاعتقادات، وبالتالي يؤدي إلى تحقيق الهدف والغاية الكبريين المتمثلين في حفز حركة الهجرة اليهودية لشتى الطوائف والفئات اليهودية من مجتمعاتها الأصلية إلى أرض الميعاد المقدسة (فلسطين).

وفي مثل هذا السياق نجد أن ذلك الهيام والعشق والتغزل الصهيوني الغريب بظاهرة معاداة السامية يتخذ شكلاً أكثر صراحة وجرأة فيما استفاض في تدوينه الكاتب اليهودي النمساوي «ثيودور هرتزل» الذي يعد أحد أبرز المؤسسين للصهيونية في حلتها الجديدة، وذلك في يومياته التي تتضمن نصوصاً قطعية مثل «معاداة السامية التي تعد القوة الخفية الكامنة في عمق العقل اللاواعي للحشود، لن تسهم في التسبب في الأذى لليهود. وإني بنفسي أجدها مفيدة ومواتية لبناء الشخصية والتعليم اليهوديين من خلال الحشود الشعبية الأجنبية التي ستقوم باستيعابنا وامتصاصنا. هذا التعليم لا يمكن أن تقوم له قائمة دون المعاناة، واليهود سيتكيفون مع ذلك»، بالإضافة إلى اعترافه وبهجته الغامرة بتفشي مظاهر العداء للسامية ليكتب بانتشاء وجذل في يومياته «من الأساسي والجوهري أن تصبح معاناة اليهود أسوأ حالاً.. هذا سيساعد في تحقيق مخططاتنا.. لدي فكرة ممتازة.. سأقوم باستمالة واستحاثة معاداة السامية حتى تتحول الثروة والموجودات اليهودية إلى نقود.. إن معاداة السامية ستسهم في مساعدتنا فيما يتصل بذلك من خلال تقوية الاضطهادات والمضايقات بحق اليهود. إن المعادين للسامية سيكونون من أعز أصدقائنا». لذا فكان من المتوقع ألا تمانع أو تتردد الصهيونية في إحدى مراحل جنونها الاستعماري المقيت في أن تستهدف وتصفي جسدياً اليهود أنفسهم بمنتهى القذارة أو حتى تتخلى عنهم ولا تبالي بمآسيهم إكراماً للعيون الآسرة لمعاداة السامية، التي لابد لها أن تستمر وتتسمر في أرضية وبنية المجتمع الخارجي الأجنبي حتى يستمر ويتسمر الكيان الصهيوني في أرضية فلسطين الذي لا يتغذى ويسترد عافيته وتوازنه إلا من خلال امتصاص «جلوكوز» الهجرة اليهودية نحو أرض الميعاد!

ولعل أحد تلك التجليات النادرة والمهملة من الإعلام المحلي والدولي على حد سواء، التي نرى فيها انتهازية صهيونية واضطهاداً وتواطؤاً ولامبالاة بدماء وأرواح اليهود في سبيل تحقيق أهداف أيديولوجية هو فيما دَونه البطل اليهودي الشعبي أثناء الحرب العالمية الثانية الحاخام «ميخائيل وايزماندل» في كتابه التاريخي الهام لأعوام الحرب العالمية الثانية من عام 1942م إلى عام 1945م، الذي سماه «من الأعماق»، حيث يروي فيه بأسلوبٍ مؤثرٍ عمليات الترحيل والإخضاع للقيام بالأعمال الشاقة والخدمة والاستعباد وممارسة الإبادة الجماعية الوحشية، التي تعرض لها اليهود القاطنون في سلوفاكيا من قبل الأجهزة العسكرية النازية والحكومة الدمية الموالية لها، حيث جاهد الحاخام «وايزماندل» واضطر إلى مواجهة العديد من التحديات والمخاطر واللجوء إلى ممارسة الأساليب الشرعية وغير الشرعية كافة في سبيل إنقاذ أرواح عشرات الآلاف من اليهود من الإبادة انطلاقاً من إحساسه بالمسئولية الإنسانية والدينية، واستجابة للآلام والجراح والطعنات العديدة التي فطرت قلبه على مرأى تلك الدماء المسفوكة والإنسانية المغتصبة والأرواح الفائضة من دون أدنى سبب سوى احتراق وقود الكراهية العمياء المحرك للعجلات النارية للتطرف والتمييز العرقيين والدينيين، إلى أن توصل في الأخير ومن خلال اتصالات دبلوماسية رسمية وما وراء رسمية من أعلى المستويات حتى أدناها وذلك مع الحاخامات والمجالس الدينية اليهودية من جهة والقيادات النازية من جهة أخرى، توصل إلى مخرج صغير ولكنه يبدو أنه سيسهم في إنقاذ عشرات الآلاف من الأرواح اليهودية المرعوبة من أن تفاض، حيث تم عقد صفقة ذهبية ونادرة كادت أن تفقد الحاخام عقله فرحاً وبهجةً واطمئناناً - كما كتب - حيث يقوم بمقتضاها الحاخام «وايزماندل» بدفع مبلغ بسيط من المال هو 50.000 دولار أمريكي على شكل دفعتين هما 25.000 دولار أمريكي و25.000 في سبيل وقف عمليات الترحيل الجماعي لليهود ومصادرة ممتلكاتهم، بالإضافة إلى وقف وتعطيل عمليات الاعتقال والإبادة الجماعية بحق اليهود، بشرط ألا يكون مصدر تلك الأموال سلوفاكياً (محلياً)! لذا فإنه من أجل تأمين هذا المبلغ البسيط لحماية أرواح يهودية غالية أجرى الحاخام «وايزماندل» مع الوكالات اليهودية الخارجية والمرتبطة بالقيادات الصهيونية اتصالات عديدة ومتنوعة على أمل أن تتكلل بتأمين المبلغ المطلوب لإنقاذ آلاف الأرواح وعصم آلاف الرقاب والدماء اليهودية من السفك والاستباحة، إلا أن الحاخام «وايزماندل» قد خاب رجاؤه أخيراً، وأحس بغصةٍ أليمةٍ كادت أن تودي بحياته خيبةً وحيرةً وقهراً، ووصف شعوره بأنه أحس حينئذٍ وكأنما بيته انهار بالكامل عليه حينما رمت الوكالات والمؤسسات اليهودية الصهيونية العالمية برجائه في وجهه علناً، ولم تبال أو حتى تكترث بتأمين هذا المبلغ في سبيل حماية الأرواح اليهودية مما يخالف أهدافها «المثالية» التي أنشئت لأجلها! بل إنها وبعد مزيد من التوسل والتذلل من قبل الحاخام «وايزماندل» لها لتوفير هذا المبلغ البسيط بالمقارنة مع موجودات وأصول وميزانية هذه المؤسسات والوكالات اليهودية الصهيونية العالمية تذرعت من خلال خطاب كتابي أرسل من السيد سالي مائير كتب فيه إن مبلغ 50.000 دولار أمريكي هو مبلغ كبير جداً بالنسبة إلى بلد صغير جداً! وتم بعدها الاشتراط بضرورة تبيان الأسباب الواقعية لطلب مبلغ كبير جداً مثل هذا المبلغ وفي هذا الوقت بالذات، وضرورة توفير البراهين والوثائق الدامغة بخصوص حدوث عمليات إبادة بحق اليهود، حيث إن معظم القصص حول عمليات الترحيل والإبادات الجماعية هي مبالغ ومغالى بها (هذه الرواية الصهيونية في تلك الفترة!)، وبعدها تم إغلاق أبواب خزانة مؤسسات الإنقاذ الصهيونية العتيدة لتفتح أبواب خزائن العالم الآخر فتفاض نحوها عشرات الآلاف من الأرواح اليهودية!

وربما جاء بعدها تفسير بليغ لطبيعة هذا السلوك الصهيوني الطبيعي جداً ممثلاً في المقولة الشهيرة للعراب والمفكر الصهيوني الشهير زئيف جابوتنسكي حينما كتب: «لا توجد هناك عدالة أبداً، لا يوجد هناك قانون، كما أنه لا يوجد هناك رب في الفردوس الأعلى، وإنما يوجد فقط قانون أوحد يقرر أنه يجب أن يكون هنالك استقرار ورسوخ يهوديان في أرض فلسطين! » أو ربما نجد تفسيراً جذرياً لدى المستر حاييم وايزمان أحد كبار العرابين الصهاينة لدواعي هذا السلوك الصهيوني الواقعي بامتياز، حيث يجهر مستر وايزمان بخوفه ورهبته في الكونجرس الصهيوني إبان الحكم النازي الهتلري لألمانيا فيقول: «أنا خائف من أننا اليوم بصدد استبدال مفهوم إنقاذ اليهود بمفهوم التحرر لأن الصهيونية هي حياة دائمة، في حين أن عملية إنقاذ أرواح آلاف اليهود لا يمكن اعتبارها إلا مجرد حياة مؤقتة بجوار الصهيونية ولا يمكن أن ترقى إليها أبداً!».

إذاً هذا يعطي الضوء الأخضر «الفلاش» بأن تسفك دماء آلاف اليهود وليبادوا عن بكرة أبيهم إكراماً وإجلالاً وإحرازاً لرموش وعيون الحياة الصهيونية الأزلية، ولا مانع من التخلي عن بضعة آلاف من شعب الله المختار مثلما يتخلى عن القطعان الموبوءة في سبيل تحقيق الأحلام الصهيونية العمياء الدامية! ومما لا شك فيه يمكننا أن نتفهم حينئذٍ سخط ونقمة أحد أبرز الحاخامات اليهود وهو الحاخام «أفراهام يوشي» حينما يهاجم بعنف الصهاينة والصهيونية المجرمين بحق اليهود واليهودية فيقول: «ليسوا لأنهم صهاينة فهم بالتالي أشرار، وإنما لأنهم أشرار فهم بالتالي صهاينة!».

(3)
رغم توافر المادة العلمية الثرية والمتكاملة الجيدة حول العلاقات التاريخية الوثيقة بين الحركة الصهيونية العالمية الحديثة والنظام الألماني النازي، ولا نعني هنا علاقات تشابه تنشأ عن مقارنة فكرية ومنهجية بين الصهيونية والنازية وإنما نحن هنا بصدد الحديث عن علاقات اتصالية وظيفية وتنسيقية مباشرة ازدهرت في مرحلة تاريخية محددة بذاتها بين الطرفين.

رغم وجود الوثائق والبيانات والحقائق والشهادات التاريخية التي تبرهن على كثافة تلك العلاقات والاتصالات بين القادة النازيين والقادة الصهاينة فإننا للأسف كعرب ومسلمين وإنسانيين عالميين فشلنا للأسف في استغلال هذه الورقة الرابحة لصالحنا من خلال استخدامها في فضح الجلاد الصهيوني الذي لا يكل أو يمل تارةً من جلد من يقف في طريق مصالحه الجشعة بتهمة معاداة السامية، كما أننا فشلنا في إحراج الصهيونية التي أخذت تبتز الجميع بالتهمة ذاتها، فشلنا في إحراج المبتز الأعظم أو بكلمات أخرى فشلنا في ابتزازه رغم سهولة هذا الأمر من خلال عرض وتناول طبيعة تلك العلاقات الوظيفية التنسيقية بين الصهيونية والنازية والمتمثلة في اضطهاد اليهود والمساهمة في ترويعهم وتخويفهم وتكريس واقع انفصالهم العضوي والوظيفي عن المجتمع الألماني بل الأوروبي الذين عاشوا فيه وأسهموا في المشاركة في بنائه ووضع لبنات تقدمه الاجتماعي وتحولاته المختلفة، وذلك من خلال السعي إلى إحياء الوعي لحقيقة وجود واقع فعلي معادٍ للسامية ولليهود بشكل خاص في هذه المجتمعات لا يمكن التعاطي معه بإيجابية ومعالجته بشكل فعال إلا من خلال دعم الهجرات اليهودية المتعاقبة والمتكاثفة إلى أرض الميعاد (فلسطين) والمساهمة في تيسير جميع السبل من أمامها.

وقد اطلعت منذ فترة ليست بالقصيرة على عددٍ من الدراسات التاريخية والتفصيلية حول واقع العلاقات الصهيونية - النازية في عقد الثلاثينيات حتى الأربعينيات من القرن السابق إلا أنني لم أحقق لنفسي إشباعاً معرفياً عسيراً في هذا الموضوع رغم ما يحويه من ثغرات جوع أو بالأحرى اكتفاءً معرفياً ذاتياً يستحال تحققه نظراً لطبيعة المعرفة النسبية الاستمرارية وغير القابلة للاكتمال مع استمرارية جريان غدير الزمان، ولكن لعل أفضل ما اطلعت عليه من ناحية المصداقية والتوثيق والشمولية هو مقال (الصهيونية والرايخ الثالث) الذي كتبه الباحث (مارك فيبر) من مؤسسة الدراسة والمراجعة التاريخية حيث استعرض فيه مرحلة مهمة ومتميزة من تلك العلاقات الوظيفية التنسيقية والمتميزة التي كانت تربط بين القادة الصهاينة والقادة النازيين في ألمانيا وملحقاتها المحتلة، حيث يذكر الكاتب أنه أثناء الثلاثينيات كان الصهاينة اليهود والألمان المنتسبون للحزب الاشتراكي القومي الألماني (النازي) يتشاطرون رؤية موحدة حول كيفية التعامل مع ملف القضية اليهودية المعقدة، إذ يلتقي الطرفان في الإيمان بأن الألمان واليهود ينتميان إلى قوميتين مختلفتين مما يعني أن اليهود لا ينتمون إلى ألمانيا ولا يمكن أن ينتموا إليها أبداً وهم بذلك يشكلون أعضاءً في مجتمع قومي منفصل.

كما أن الكاتب فيبر يستعرض في مقاله محتوى المذكرة التفصيلية التي قدمها الاتحاد الصهيوني الألماني إلى الحكومة النازية الهتلرية الجديدة، والتي نصت على ضرورة أن يكون هنالك تعاون وعلاقات وظيفية تنسيقية فعالة بين الحركة الصهيونية العالمية والحكومة النازية على مستوى رسمي من الدرجة الأولى من أجل حل القضية اليهودية بما يوائم بين مصالح الجانبين، كما بين الكاتب فيبر أن هذه المذكرة الموثقة قد احتوت على عددٍ من الخطوات كان أولها يقترح ضرورة الاعتراف الأساسي والمتبادل بالاختلافات القومية الجذرية بين اليهود والألمان، كما احتوت هذه المذكرة على توضيح للرؤية الصهيونية حول إعادة إحياء الحياة القومية للشعب كما هو حاصل في ألمانيا التي يتم فيها تأكيد الجذور الجرمانية العرقية والقومية والهوية الدينية المسيحية، حيث لابد من أن يقود إلى إدراك التمييز الصريح بين الألمان واليهود الذين لهم أصلهم القومي المختلف والفريد المنفصل عن الألمان، وبالإضافة إلى ذلك فقد جاء نصاً في المذكرة «نحن نؤمن بأن الاشتراكيين القوميين الألمان (النازيين) يمكنهم ومن خلال عزمهم الواضح على التناول للمسألة اليهودية أن يقوموا باتخاذ خطوات حاسمة من أجل حل هذه القضية» وذكر معدو هذه المذكرة التفصيلية أنهم وبمقتضى اعترافهم بتميز وانفصال القومية اليهودية فإنهم يعترفون أيضاً بالاختلافات الحاسمة والمصيرية للشعب الألماني المنطلقة من العرقية والقومية الألمانية والمختلفة.

وقد حرص الصهاينة الذين أعدوا تلك المذكرة على تبيان أوجه التقاء الآراء والرؤى مع نظرائهم النازيين من خلال محاربتهم لفكرة الزواج المختلط وحرصهم على النقاء العرقي ورفضهم الصارم لأي تعد أو انتهاك أو عبث في الملكية الثقافية. وبين الكاتب فيبر في مقاله أن الصهيونية من دون شك كانت تعمل وتحرص كل الحرص على وجود حكومة معادية بشكل جذري لليهود في ألمانيا حتى تتمكن من إنجاح مشروعها، وقد أثبت الصهاينة جدارتهم وكفاءتهم المهنية العالية في ذلك أيما إثبات حيث أثمرت جهودهم المتفانية دعماً لا نظير له من قبل الحكومة الهتلرية للصهيونية والهجرة اليهودية لفلسطين من عام 1933م حتى بداية الأربعينيات مع اشتداد الحرب العالمية الثانية حيث انشغلت السلطات النازية عن جهود التعاون المشترك مع الصهيونية لتتفرغ لمواجهة الحلفاء.

وحين تناول تشريح أكثر الأجهزة حماسة وفاعلية ضمن السلطة النازية للتعاون التنسيقي مع الصهيونية لا بد لنا من إنصاف الجهود الكريمة لمنظمة الأمن الوقائي النازي (SS) التي قدمت ورقة عمل بتاريخ 1934م حيث تطالب بإلحاح الحكومة النازية والحزب النازي على حدٍ سواء بأن يقدما دعماً كبيراً وفعالاً للحركة الصهيونية العالمية من خلال تقديم الدعم المادي وكافة أشكال الدعم للهجرة اليهودية إلى أرض الميعاد (فلسطين) عبر السعي إلى تشجيع الوعي القومي اليهودي الذاتي وإقامة المدارس اليهودية المستقلة والاتحادات اليهودية الرياضية والمنظمات اليهودية الثقافية بألمانيا النازية ومستعمراتها.

وقد قام بالفعل مسئول منظمة الأمن الوقائي النازي ليوبولد فان مايلدنشتاين والقائد الصهيوني كورت تاتشلر بزيارة استغرقت ستة أشهر لأرض الميعاد للإطلاع على مدى التقدم الصهيوني بفلسطين، كما أنه تم نشر هذه الزيارة بإحدى الصحف الرسمية الألمانية وهي (Berlin daily Der Angriff ) في سنة 1934م تحت عنوان زيارات نازية لفلسطين، كما قامت هذه الصحيفة بنشر صورة لميدالية خاصة تضم في إحدى جوانبها الصليب النازي المعقوف وفي الجانب الآخر نجمة داود السداسية بغية تأكيد التضامن والتحالف الوثيق بين الصهيونية والنازية، أما الصحيفة الرسمية لمنظمة الأمن الوقائي النازي فقد أظهرت مدى تضامنها اللامحدود مع الحركة الصهيونية من خلال ما نشرته وبـ «البنط» العريض في شهر مايو عام 1935م أنه «لا يبدو الوقت بعيداً جداً حينما ستقوم فلسطين أخيراً باحتضان أبنائها الذين افتقدتهم منذ آلاف السنين والذين يسرنا أن نقدم لهم تمنياتنا الصادقة ومشاعر الود والرضا والارتياح لترافقهم في رحلتهم إلى وطنهم»! كما صرح رئيس الاتحاد الصهيوني السابق بألمانيا الدكتور (هانز فريدنتثال) بأن الغستابو (جهاز الاستخبارات النازية) قدم كل ما باستطاعته لنا من أجل تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين على وجه التحديد، كما أنهم لم يترددوا أبداً عن تلبية مطالبنا في هذا الأمر.

وقد جاء إصدار قانون نورمبرغ في سبتمبر عام 1935م ليتوج تلك الجهود المتبادلة، حيث نص هذا القانون على منع الزواج المختلط بين الألمان واليهود واعتبار اليهود أقلية قومية دخيلة وغريبة عن المجتمع الألماني وقد قوبل هذا القانون بترحيب شديد وحار من المنظمات الصهيونية الألمانية. وفي إحدى المسيرات اليهودية الصهيونية بمدينة نيويورك صرح ستيفن وايز رئيس الكونجرس اليهودي الأمريكي في يونيو عام 1938م «أنا لست مواطناً أمريكياً بإيمان يهودي، وإنما أنا يهودي. هتلر كان محقاً في أمر واحد هو تصنيفه لليهود بأنهم عرق ونحن عرق».

وللإشارة إلى نموذج مجسم للتنسيق النازي - اليهودي فإننا ينبغي أن نشير إلى تلك المخيمات التي أنشئت بإذن من السلطات الألمانية النازية، والتي بلغ عددها حوالي أربعين مخيماً ومراكز زراعية في شتى ربوع ألمانيا حيث يتم فيها تدريب المستوطنين الصهاينة اليهود المستقبليين على التأقلم مع حياتهم الجديدة في فلسطين، وانطلاقاً من الاحترام العميق والتوقير الأجل الذي يكنه الصهاينة لقانون نورمبرغ (السالف الذكر) الذي يحرم على اليهود أن يرفعوا الأعلام الألمانية فقد منحت السلطات الألمانية النازية لليهود حق رفع العلم القومي الوطني اليهودي (علم "إسرائيل" حالياً) فيكتب (فيبر) مستغرباً «علم "إسرائيل" كان يرفرف على المراكز والمخيمات الصهيونية في شتى أنحاء ألمانيا الهتلرية» . ولعل أبهى صور التكامل والتطور للعلاقات النازية والصهيونية الوظيفية التنسيقية هي تلك المتمثلة في اتفاق الترانسفير أو (الهافارا بالعبرية) الشهير الذي نتج عنه تزويد الكيانات الصهيونية المصطنعة في فلسطين بما تحتاج إليه من معدات زراعية ومواد بناء ومتفجرات ومخصبات زراعية ألمانية ونتج عن هذا الاتفاق هجرة نحو 60.000 يهودي ألماني إلى فلسطين بترتيب صهيوني - ألماني نازي مما ساهم بشكل كبير في وضع اللبنات والقواعد الاقتصادية والبنيوية الأساسية للكيان الصهيوني، وبالتالي يستنتج الكاتب (فيبر) ووفقاً للعديد من المقارنات البيانية والإحصائية الواقعية أن ألمانيا النازية الهتلرية هي أفضل من ساهم في دعم النمو والتقدم الصهيوني الكياني في فلسطين أثناء الثلاثينيات من القرن السابق!.

(4)
لم يتوقف العبث والكيد الصهيونيان عند حد اضطهاد اليهود في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية واللامبالاة بهم كما أسلفنا في مقالنا السابق، وإنما امتدا ليكهربا ويسمما أجواء التآخي والسلام والوئام الديني الثقافي المذهبي في البلاد العربية الإسلامية بين المسلمين ومواطنيهم اليهود والحديث هنا عن العراق في النصف الأول من القرن السابق، حيث تناول وفضح العديد من الشرفاء من اليهود الدور الصهيوني القذر والمتآزر مع قوات الاحتلال البريطانية والنظام الحاكم العميل بالعراق حينئذٍ في القيام بتسميم وشحن الأجواء بالكراهية ومعاداة اليهودية (معاداة السامية) كل حسب اختصاصه.

وقد تناول ودون هذه المكايد والاضطهادات المروعة الصحفي الأمريكي (نعيم قيلادي) وهو يهودي من أصل عراقي كان عضواً ناشطاً في أحد تلك التنظيمات الصهيونية المندسة في العراق منذ الأربعينيات بشكل خاص من أجل القيام بتهريب اليهود العراقيين إلى إيران المجاورة ليتم إرسالهم بعدئذٍ إلى أرض الميعاد (إسرائيل)، إلا أنه تم القبض عليه من قبل أجهزة المخابرات العراقية القوية التي أذاقته صنوفاً شتى من التعذيب الجسدي والنفسي المبرح والوحشي ولكنه رغم ذلك لم يعترف إيماناً بصهيونيته، حتى استطاع في وقتٍ ما الهروب من عرين الأسد البابلي نحو بر الأمان!

وقد ذكر (نعيم قيلادي) في مقالٍ له حول يهود العراق أنه اصطدم وأحس بالغضب لاحقاً حينما علم من مصادر عديدة وموثقة ومن بينها شهادات واعترافات رجال استخبارات إسرائيلية وأجنبية عمل معهم بأن الأحداث الدامية في الأربعينيات، التي استهدفت اليهود العراقيين وقتل فيها العديد من أصدقائه كانت مدبرة ومخططاً لها من قبل الحركة الصهيونية العالمية وقوات الاحتلال البريطاني بالعراق والقيادة العراقية الموالية لبريطانيا والمتمثلة في الوصي على العرش الأمير عبدالإله ورئيس وزرائه نوري السعيد، وقد استشهد (نعيم قيلادي) في مقاله بما صرح به السفير البريطاني في العراق السير فرانسيس همفري بأن اليهود العراقيين كانوا أكثر الأقليات حظوةً واحتراماً وتقلداً للمناصب الإدارية بالدولة، لذا فقد عملت الصهيونية بجد لتعكير أجواء ذلك الوئام الوطني والديني وإثارة النزاع والشقاق والكراهية بين العرب واليهود بالعراق التي لم تكن موجودة أبداً من قبل.

وقد ذكر الصحفي اليهودي قيلادي أن الوسائل الإعلامية العربية المتصهينة لعبت حينئذٍ دوراً رئيسياً وبارزاً مرسوماً له في نشر الأخبار المضللة والمركبة عن تأييد اليهود وترحيبهم بالاحتلال البريطاني للعراق بل سعيهم للتعاون معه في التآمر على العراقيين العرب مما أدى إلى إحداث أعمال شغب وتخريب طالت بعض اليهود العراقيين سرعان ما تم حلها سلمياً بتدخل القوى الشعبية الوطنية، ولكن لم يدم ذلك طويلاً فوقع العديد من التفجيرات والاعتداءات بالعراق في الأربعينيات من القرن السابق قامت بتنفيذها عناصر من وحدة "الغوركا" الخاصة في الجيش البريطاني، التي تضم مقاتلين نيباليين شرسين ذوي ولاء مطلق للإمبراطورية البريطانية، حيث استهدفت هذه التفجيرات المدبرة بشكل رئيسي اليهود العراقيين والمتمركزين بصورة واضحة في مدينة البصرة حيث تضم أكبر عدد للمواطنين اليهود بالعراق ليتم إلقاء التهم بعدها على النقمة العربية الشعبية.

وقد فضح الصحفي اليهودي (قيلادي) الدور الذي قام به الوصي عبدالإله ورئيس وزرائه نوري السعيد بمعونة الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية في الدفع قدماً نحو استهداف اليهود العراقيين بغية دفعهم للهجرة نحو أرض الميعاد مستنداً إلى شهادة السيد يوسف مائير الناشط الصهيوني بالعراق سابقاً الذي يعمل حالياً في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وقد تم إجراء العديد من المقابلات بين مسئولين صهاينة وعراقيين من أجل تحقيق هذا الهدف الصهيوني فاجتمع رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون في أواخر عام 1948م بمدينة فيينا عاصمة النمسا لمناقشة الحاجة إلى إجراء تبادل شعبي يتم بمقتضاه قيام العراق بإرسال اليهود في شاحنات عسكرية من خلال الأردن إلى "إسرائيل" في مقابل قيام "إسرائيل" بطرد الفلسطينيين وإرسالهم إلى العراق على أن يتم تبادل مصادرة الممتلكات اليهودية العراقية والفلسطينية بين الطرفين إلا أن لندن اعترضت حينئذٍ بشدة على هذه الصفقة معتبرة إياها راديكالية جداً، كما قام الراحل نوري السعيد استجابة للضغوط الصهيونية بتهيئة الظروف المناسبة للقبول بوجود حالة عامة من معاداة السامية في العراق تم فيها فصل الموظفين العراقيين اليهود من مؤسسات وقطاعات الدولة المختلفة ومنع منح التراخيص التجارية بالتوريد والتصدير للتجار من اليهود العراقيين، بالإضافة إلى ممارسة الاعتقالات المتعسفة لليهود العراقيين لأسباب تافهة أو من دون سبب إلا أن محاولات الصهيونية باءت بالفشل في إقناع اليهود العراقيين بالهجرة إلى فلسطين. فأرسلت "إسرائيل" إلى العراق جاسوسها المشهور (بن بورات) الذي اتصل في أكثر من مرة بنوري السعيد من أجل منحه مكافآت وحوافز مالية "رشى" ليقوم الأخير بمقتضاها باستصدار قرارات تنزع المواطنة العراقية وحقوقها عن اليهود العراقيين رغماً عنهم!

ولم تتوقف الاضطهادات الصهيونية عند هذا الحد بحق اليهود بل إنها استمرت في الخمسينيات بشكل أكثر دموية من خلال الانفجارات التي استهدفت التجمعات الدينية لليهود العراقيين وتميزت بشكل نوعي في استهداف المراكز الثقافية الأمريكية التي يتردد عليها اليهود كثيراً، ويستدل الصحفي اليهودي (نعيم قيلادي) بما نشرته المجلة الإسرائيلية (Haolam Hazeh ) المنشورة من قبل عضو الكنيست الإسرائيلي يوري أفنيري من اتهام للجاسوس الصهيوني (بن بورات) بالوقوف وراء تلك الانفجارات الدامية بحق اليهود العراقيين لترويعهم وحثهم على مغادرة العراق والهجرة نحو فلسطين، إلا أن (بن بورات) الذي أصبح عضواً في الكنيست الإسرائيلي لاحقاً أنكر هذه الاتهامات التي ظلت تتردد محاصرة إياه إلا أنه ورغم ذلك لم يقم بمقاضاة أو حتى الشكوى من هجمة هذه المجلة عليه أبداً!

ويواصل (نعيم قيلادي) سرده المتواصل فيكتب أن الجاسوس الصهيوني (بن بورات) الذي سفك من الدماء اليهودية ما سفك حتى ثمل لا يزال يدعى بازدراء ونفور من قبل اليهود العراقيين في "إسرائيل" بكنية (مراد أبوالقنابل). وقد ظهر (بن بورات) مؤخراً على الساحة الإعلامية وأطلق تصريحات أشاد فيها بحرارة بالانتخابات العراقية ككل وقال إنها "ستكون فاتحة نحو علاقات مستقبلية بين "إسرائيل" والعراق. أنا أشجع التصويت بين صفوف اليهود العراقيين في "إسرائيل" أو في أي بقعة من العالم" (صحيفة الغد الأردنية).

ويختتم الصحفي اليهودي قيلادي مقاله بنبرة حزينة تتحسر على الضحايا الأبرياء من اليهود في العراق فيكتب أن اليهود العراقيين الجهلاء تم خداعهم والتغرير بهم من خلال رمي عقولهم الفارغة بأحاديث وقصص عن أرض الميعاد التي تدر حليباً وعسلاً وينبت فيها البصل بحجم البطيخ وما أن يطأها الأعرج حتى يركض، أما اليهود العراقيون المتعلمون والمثقفون فقط تم رميهم بالقنابل ورشهم بالأحماض الكيميائية!

وللمزيد من التحقق حول الجرائم والاضطهادات الصهيونية بالعراق والمرتكبة في حق اليهود العراقيين قمت منذ فترة بالإطلاع على دراسة قيمة للكاتب حسن عبيد عيسى كانت قد نشرت في مجلة المستقبل العربي ( العدد 307 ) تحت عنوان (عزرا نحميا والحديث عن حقوق يهودية في العراق) رمى الكاتب منها إلى فضح ومهاجمة ذلك التواطؤ الإعلامي في عراق ما بعد (التحرير) مع المطالبات الصهيونية بالحقوق والممتلكات اليهودية بالعراق، فكشف الكاتب الضوء عن خبايا الدور الصهيوني القذر في العراق تجاه استهداف اليهود العراقيين فيكتب حول هذا الاستهداف أنه تحول إلى "هجوم متكرر بالقنابل المصنعة محلياً، وهذا يلائم فكرة إلصاق تلك الأعمال بالشبان العرب المتحمسين ضد الصهيونية" وأضاف أنه "أخذت أعمال الإرهاب الصهيونية طابعاً أكثر حدةً وتنظيماً. ففي الرابع عشر من أغسطس 1938م ألقيت قنبلة على نادي لورا خضوري جرحت اثنين وأخرى على نادي الرشيد اليهودي لم تنفجر، إلا أنها أحدثت ذعراً ورعباً بين الآمنين اليهود يوازيان حجم انفجارها. وفي الخامس عشر من أكتوبر 1938م كرر الإرهابيون استهداف نادي لورا خضوري فجرحت قنبلتهم ثلاثة أشخاص. ولم تحدث القنبلة التي ألقيت على أحد المعابد خسائر في تلك الليلة، كتلك التي فجرت في اليوم نفسه على أرض ساحة تطل عليها بيوت لليهود" ويواصل الكاتب فضح السادية الصهيونية التي لم تتردد أبداً في التنكيل باليهود العراقيين من أجل ترويعهم وبالتالي إجبارهم على الهجرة إلى أرض الميعاد فيذكر أن "الأسلوب السادي الآخر الذي اتبعه الصهاينة ضد اليهود الآمنين هو رش المستهدفين بالمواد الكيميائية - الحوامض. ولما كان أغلب اليهود على علم واطلاع تام على حقيقة ما يجري وهوية الجهات الفاعلة، فإنهم لم يكونوا راغبين في الهجرة إلى فلسطين استجابة لطلبات هؤلاء القتلة الساديين، الأمر الذي دعا بعضهم إلى اختيار أماكن أخرى للاستقرار فيها بعيداً عن مسلسل الإرهاب ذاك.

لقد أخذ بعض أثرياء اليهود يهربون أموالهم إلى أمريكا وليس إلى فلسطين!".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق